وثانيهما: أن وجوب التعليم على العالم ليس منبعثا عن وجوب الواجبات على الجاهل المتوقف امتثالها على التعلم. نعم هو منشأ لوجوبه، بمعنى أنه لما لم يمكن أن يأتي الجاهل بما وجب عليه على وجه الطاعة إلا بتعليم العالم إياه، فبمقتضى قاعدة اللطف يجب على الشارع إيجاب التعليم على العالم أيضا، ليكون محركا إياه عليه لئلا يفوت الغرض المقصود من الجاهل، فيكون هو حكمة لوجوبه، لا أن وجوبه منبعث عنه، وشأن من شؤونه.
هذا بخلاف الواجب الغيري، فإن وجوبه منبعث عن وجوب ذي المقدمة بحيث يكون هو شأنا من شؤونه على وجه يكون روحه هو ذلك الوجوب المتعلق بذي المقدمة كما مر، فهناك طلبان مستقلان نفسيان، بخلاف المقام.
ويدل على ما ذكرنا إطباق العقلاء كافة فيما إذا أتى العبد بفعل واجب أو تركه مع فرض ألف مقدمة له على عدم استحقاقه أزيد من الثواب والعقاب على نفس إتيان الفعل أو على تركه من غير نظر إلى شيء من مقدماته أصلا بحيث لو أتى بألف مقدمة مع عدم إتيانه بأصل الواجب لا يستحق شيئا من الثواب على شيء منها لعدم استحقاقه فيما إذا لم يأت بشيء أصلا حتى بشيء من المقدمات أزيد من العقاب على ترك نفس الواجب من غير فرق في ذلك بين أن يكون على مقدمته خطاب أصلي، أو لا، فمما حققنا ظهر فساد الأقوال الأخرى، فتدبر.
وأما القول الثاني فالذي ربما يتخيل الاستدلال به وجوه من العقل والنقل:
أما العقل: فتقريره: أنه إذا أتى بالمقدمة لأجل أدائها إلى ذيها تقع () طاعة، فيترتب عليها الثواب لذلك، وإذا تركها فهو معصية، فيترتب عليها