الأول: أنا إذا راجعنا وجداننا لا نجد فرقا بحسب اللب بين تينك العبارتين، وهما قولنا: (صم غدا)، أو (صم إن جاء الغد)، فإنا لا ننكر أن لكل منهما مفهوما مغايرا لمفهوم الآخر، إلا أنا نجد أن تغايرهما إنما هو راجع إلى مجرد الاعتبار واللحاظ، بمعنى أنه لم يكن كل منهما منتزعا عن لب غير ما ينتزع عنه الآخر بأن يكون للمتكلم عند التعبير بإحداهما حالة كامنة في نفسه غير الحالة التي تكون في نفسه عند التعبير بالأخرى، بل نجد من أنفسنا اتحاد الحالة فيها () جدا إلا أن التعبير بكل واحدة منهما مبني على اعتبار مغاير لما ابتنى عليه التعبير بالأخرى، فيرجع الأمر بالأخرة إلى كونهما عبارتين عن مطلب واحد، نظير لفظ الراكب - مثلا - حيث إنه قد يجعل حالا، كما في قولك: جاء زيد راكبا، وقد يجعل صفة، كما في قولك: جاء زيد الراكب، وقد يجعل خبرا، كما في قولك: زيد راكب، وقد يجعل مبتدأ، كما في قولك: الراكب زيد، حيث إنه لا ريب أن هيئة الركوب الواقعة في الخارج الثابتة لزيد إنما هي حالة وحدانية وقعت على نهج خاص بحيث لا يختلف باختلاف العبارات المعبر بها عنها، بل إنما هي عبارات عن مطلب واحد، إلا أن كلا منها مبني على اعتبار خاص فإن الملحوظ فيه - في المثال الأول - إنما هو بيان هيئة الفاعل، وفي الثاني إنما هو توضيحه، وهكذا.
وكيف كان، فإذا اتحد اللب فلا يجدي اختلاف العبارات والاعتبارات في شيء، فإن وجوب المقدمة إنما هو حكم عقلي تابع للمعنى الواقعي، وهو وجوب ذيها، وكونه مطلوبا في نفس المتكلم، وليس يدور مدار العبارات، فيكون تابعا لإحداها دون الأخرى.
وبالجملة: فإن شئت توضيح ما ذكرنا فافرض مقاما ثبت الطلب فيه من دون كاشف لفظي، بل باللب، فانظر حينئذ، فهل تجد ثبوت وجوب شيء في