وبعبارة أخرى: إن المرشد ينزل نفسه منزلة عقل المسترشد، ولما كان عقله [1] - إذا علم بمصلحة للمسترشد - يحركه نحو الفعل، فيحركه المرشد حينئذ نحوه لذلك، أي لعلمه بالمصلحة، هذا بخلاف الحال في الوجوب والندب، فإن الطالب فيهما إنما يطلب الفعل من قبل نفسه لا غير، وهذا هو الوجه في إمكان اجتماع الإرشاد مع البغض بوقوع الفعل في الخارج.
وبهذا ظهر دفع ما اختاره بعض المحققين من المتأخرين من كون الإرشاد من مقولة الإخبار محتجا: بأن الظاهر أن المقصود من الإرشاد هو بيان المصلحة المترتبة من دون حصول اقتضاء هناك على سبيل الحقيقة، فهو إبراز للمصلحة المترتبة على الفعل بصورة الاقتضاء، ثم استشهد باجتماعه مع البغض إلى وقوع الفعل في الخارج ().
وتوضيح الاندفاع: أنك قد عرفت أن المقصود باللفظ ليس إلا الطلب لا غير، وإن كان الغرض تعلق ببيان المصلحة، وهذا لا يستلزم استعمال الصيغة في الإخبار، بل غاية الأمر أن يكون هذا الإطلاق من مقولة الكناية - مثلا - بأن يراد من اللفظ الطلب للانتقال من الطلب إلى المصلحة، فلا منافاة إذن بين إرادة الطلب من الصيغة وبين أن يكون الغرض بيان المصلحة، لإمكان حصوله تبعا على هذا النحو، فلا يصلح جعل ثبوت الثاني دليلا على انتفاء الأول، وعرفت - أيضا - أن حقيقة الطلب ليس إلا تحريك الشخص نحو الفعل بآلية اللفظ، وأن هذا لا يتوقف حصوله على كون الصيغة صادرة من اقتضاء نفس الطالب، بل