بالعمل بفتوى الفقيه إنما هو من باب الطريقية المحضة، ومن المعلوم أن الطريق ليس من شأنه تغيير الواقع، بل هو على حاله واقتضائه صادفه الطريق أو خالفه، ولما كان المفروض مخالفته له، فمقتضاه - حينئذ - عدم كفاية الواقع من العمل قبل الانكشاف في ترتيب الآثار عليه بعده، إذ المفروض أنها له واقعا، وليس لذلك الواقع المخالف له حظ منها.
هذا، مع أن في جعله العقود والإيقاعات مما يقتضي الاستدامة دون نجاسة الماء القليل بالملاقاة وعدم نجاسة الكر ما لا يخفى، إذ من المعلوم عند المتأمل عدم الفرق بين النجاسة والطهارة وبين النقل والانتقال الذي هو أثر المنع - مثلا - فكما أن الثاني على تقدير ثبوته يستدام إلى أن يجيء له رافع فكذلك الأولان.
وعلى ثانيها: أنه مسلم إذا ثبت كون تلك الأمور مقتضية للاستمرار واقعا.
وأما إذا كان اقتضاؤها لذلك بالنظر إلى مرحلة الظاهر فمع تبدل الرأي يشك في كونها مقتضية لتلك الآثار في أول الأمر، فالصغرى غير محرزة.
وعلى ثالثها: منع اختصاصه بخصوص العقود والإيقاعات، بل يلزم ذلك في العبادات - أيضا - بالنسبة إلى القضاء - كما عرفت من مطاوي كلماتنا المتقدمة في القول الأول - فيبطل تخصيصه الحكم بالأخص الذي هي العقود والإيقاعات، فافهم.
حجة القول الثالث:
أما على عدم نقض الآثار فيما يتعين أخذه بمقتضى [الفتوى] فوجوه:
منها: أن الواقعة الواحدة لا تحتمل اجتهادين لعدم الدليل عليه.
ومنها: أن البناء على نقضها يؤدي إلى العسر والحرج المنفيين في الشريعة، لعدم وقوف المجتهد غالبا على رأي واحد.