هذا، لكن الإنصاف: أن الوجه الثاني من تلك الوجوه لا يخلو عن وجه، لكنه لا ينهض دليلا على تمام المدعى، لعدم اقتضائه لرفع الإعادة.
وأما الوجه الأول والثالث فلا يخفى على المتأمل ما فيهما من الضعف:
أما الأول: فلمنع أصله أولا، ثم منع حجيته وصيرورته دليلا على المدعى.
وأما الثالث: فلأن التحقيق أن مقتضى دليل اعتبار الطرق الظنية وجوب جعلها بمنزلة القطع، وترتيب جميع الآثار المرتبة على مداليلها حتى الالتزامية منها - كما حقق ذلك في محله - ومن المعلوم - كما اعترف به القائل المذكور أيضا - أن مؤدى الظن الثاني التزاما إنما هو فساد المأتي به أولا، فإنه يدل على أن المطلوب الواقعي إنما هو متعلقه، فيلزمه عدم كون المأتي به أولا مطلوبا من المكلف واقعا، ولازمه عدم كونه مجزيا، فيكون فاسدا، فيترتب عليه أحكام الفساد من وجوب الإعادة والقضاء.
وبعبارة أخرى: إنه يحرز بالظن الثاني فساد المأتي به أولا، فيجب عليه الإعادة بمقتضى الأمر الأول والقضاء بمقتضى دليله المعلق على الفوت، فإن الظن الثاني يكشف عن فوت الواقع من المكلف ويثبته، فإذا ثبت الصغرى به ثبت حكم كبراها، وهو وجوب القضاء بدليل القضاء المعلق على الفوت.
هذا، مع أنا لو جعلنا الفوت مجرد - الترك - لا أمرا وجوديا - فيمكن إحرازه بأصالة عدم الإتيان بالواقع، إلا أن هذا خلاف التحقيق.
هذا، مضافا إلى أنا لو أغمضنا عن الظن الثاني - القاضي بفساد المأتي به أولا، وفرض حصول التردد للفقيه بعد الظن الأول - فمقتضى القاعدة حينئذ عدم سقوط الإعادة من المكلف، لأن الظن المذكور طريق محكوم بإجراء العمل على طبقه ما دام باقيا، وأما مع زواله - كما هو المفروض - فاكتفاء الشارع بما وقع على طبقه غير معلوم، بل معلوم العدم، فإذا كان المفروض زواله في الوقت،