وأما كفاية الإتيان بالفعل المأمور به بأمر حال بقاء ذلك الأمر عن نفس ذلك الأمر فلم ينكرها أحد منهم قط، ولم يوجب أحد منهم الإعادة أو القضاء في ذلك قطعا، فيظهر من ذلك أن مورد الخلاف في ثبوت تلك القضية ونفيها إنما هو الأمر الثاني بالنسبة إلى الأمر الأول الواقعي لا غير.
لكن الإنصاف عموم الخلاف للمقامين، كما أشرنا إليه سابقا:
أما ثبوته في الثاني فظاهر للمتتبع في الفقه، حيث إنه يجد أنه ليس شيء من الإجزاء أو عدمه فيه متفقا عليه بينهم، بل ذهب إلى كل فريق.
مضافا إلى كفاية ملاحظة بعض أدلتهم المذكورة في الأصول المختص به، كما سيأتي إن شاء الله.
وأما ثبوته في الأول أيضا فلما حكي عن بعض العامة إنكار اقتضاء الإجزاء فيه - كما أشرنا إليه سابقا - وإن كان المشهور فيه ثبوت الاقتضاء.
وبالجملة: وضوح ثبوت الخلاف في الثاني يكفي في نفي اختصاصه بالأول مع أن الثاني أولى بالاختصاص لقلة المخالف في الأول وندرته إلى حيث () ادعى بعضهم الاتفاق عليه، فلا بد من صرف الدليل المذكور إلى أن المراد إقامته على بعض أفراد محل النزاع لا على تمامه، كما أن ثبوت خلاف في الأول أيضا ينفي اختصاصه بالثاني.
والحاصل: أن المتأمل في مجموع أدلة الطرفين مضافا إلى حكاية الخلاف في الأول ووضوحه في الثاني يجد ثبوته في المقامين، ونحن أيضا نتعرض لكل منهما بما فيه من الأدلة بما فيها، فانتظر.
ثم المراد بالاقتضاء: فقد عرفت أنه الدلالة على التحرير الأول، والتأثير على الثاني، وقد عرفت - أيضا - أن النزاع هنا في الالتزام العقلي،