فالزهد للدنيا، هو الذي ابتلى به جماعة من أبنائها، وهو أنهم لا يتمتعون من نعيمها الحاصلة لديهم، وإنما يكتفون بلذة اقتنائها وإبقائها والتفرج بالنظر لها. وهذا ليس بمطلوب شرعا.
وأما الزهد من الدنيا، فان كان للحذر عن الابتلاء بتبعاتها في هذا العالم ولم يكن موجبا للغفلة عن الآخرة ولا مانعا منها، فهو أمر مطلوب، وكذا عن إصابة الزائد من الدنيا والتمتع بها طول الحساب والموقف في عالم الحشر فيكون مطلوبا أيضا، وأما إذا كان لغير هذين الغرضين فليس بمطلوب.
وأما الزهد في الدنيا، فلا يكون مقدورا لكل انسان، بل صاحبه يحتاج إلى قوة معنوية ومجاهدة بليغة ونفس مطمئنة، بحيث يملك الدنيا وهو بعد متجاف عنها غير متوجه إليها ولا مشغول بها عن الله تعالى، كما قال تعالى في وصفهم: ﴿رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله﴾ (١) وقال تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا! لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله﴾ (2) وجملة الحديث مشيرة إلى مثل هذا الزهد، كما أن الآيات والروايات الماضية الناهية عن الدنيا والتمتع بها ناظرة إلى هذا الامر، كي لا ننظر إليها نظر استقلال، ولا نكون بما في أيدينا أوثق بما عند الله.
وهذا الزهد هو الذي يؤدي إلى إثبات الحكمة في القلب، ورؤية عيوب الدنيا، والخروج من الدنيا سالما إلى دار السلام، وتفرغ القلوب للآخرة، ووجدان حلاوة حب الله، وغيرها من الآثار. وتدل على هذا المعنى الآيات والروايات التي سنذكرها في ذيل جملة (وارغب في الآخرة). والله أعلم.