عن نفسك، فإن الأمر يصل إليك دونهم، ولا تقطع عنك النهار بكذا وكذا، فإن معك من يحفظ عليك، ولا تستقل قليل الخير، فإنك تراه غدا حيث يسرك، ولا تستقل قليل الشر، فإنك تراه غدا حيث يسوؤك، وأحسن، فإني لم أر شيئا أشد طلبا ولا أسرع دركا من حسنة لذنب قديم، إن الله جل اسمه يقول: * (إن الحسنات يذهبن السيئات، ذلك ذكرى للذاكرين) * (1) أقول: إن كلامه عز وجل هنا: " محاسبين لأنفسهم، متعبين لها. " يدلنا على أن من يريد أن يكون من أهل الآخرة، يلزم أن يكون بصدد إصلاح أعماله وأقواله بالمراقبة عليها والمحاسبة لها ليلا ونهارا، حتى يرفع عن طريق السلوك في سبيل الآخرة والنجاة كل مانع وعائق، وعن ظهره كل وزر وبال. وبما أن هذا العمل يكون مخالفا لهواه ومقتضى طبعه، فيحتاج لا محالة إلى رياضة شرعية ومجاهدة كاملة نفسانية، قال سبحانه في وصف أهل الخير والآخرة: " محاسبين لأنفسهم، متعبين لها. " أي تعب المجاهدة ومخالفة النفس وهواها.
وليس المراد إتعاب النفس بترك تناول الطعام والشراب والاعتزال عن الأهل والأولاد، فإن ذلك كله مضافا إلى كونه خلاف مقتضى طبع الانسان وبشريته، مخالف للسنة النبوية صلى الله عليه وآله، كما يدل على ذلك حديث أبي جعفر عليه السلام حيث قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " ألا! إن لكل عبادة شرة، ثم تصير إلى فترة، فمن صارت شرة عبادته إلى سنتي، فقد اهتدى، ومن خالف سنتي، فقد ضل وكان عمله في تبار. أما! إني أصلى وأنام، وأصوم وأفطر، وأضحك وأبكى، فمن رغب عن منهاجي وسنتي، فليس منى. " (2) الحديث.
وحديث علي عليه السلام قال: " إن جماعة من الصحابة كانوا حرموا على أنفسهم