ومن المعلوم أن تحفظ القلب لا يتيسر إلا بعناية من الله تعالى، وعنايته تعالى هي الهداية والايمان والسكينة والحكمة، لأن القلب إذا تحلى بزينة هذه الفضائل، يحفظ من آثار الهوى والعصيان ووساوس النفس والشيطان والتعلق بعالم الطبيعة ومحبة الدنيا الدنية وجميع ما يوجب غفلته ويصده عن ذكر الله تعالى، وحينئذ لا يختار إلا الذكر، ولا يقبل إلا على العبادة، لرجوعه إلى منزلته الأصلية، فيصير حرما آمنا لله، كما قال مولانا أبو عبد الله عليه السلام: (القلب حرم الله، فلا تسكن حرم الله غير الله.) (1) ويتمكن من النظر إلى الملكوت.
وأما طريق اكتساب العبد عنايته تعالى، فيستفاد من هذه الفقرة من الحديث (يا رب! ما ميراث الجوع؟) قال: (الحكمة وحفظ القلب.) أن للجوع أثرا خاصا في استجلاب عنايته تعالى.
وقد تقدم الكلام في بيان الجوع الممدوح سابقا وآنفا ويأتي آجلا في ذيل كلامه عز وجل: (قد سجنوا... بطونهم من فضول الطعام.) (2) من الآيات والروايات ما يوضح الامر أكثر مما مر.