وأصدقك القول، فإن كان شئ ينفع لديك فهو في الصدق إن شاء الله أحزن بنا المنزل (1)، وأجدب الجناب، واكتحلنا السهر، واستحلسنا (2) الخوف، وضاق بنا البلد العريض، فوقعنا في خزية لم نكن فيها بررة أتقياء، ولا فجرة أقوياء، فقال له الحجاج: كذلك. قال: نعم، أصلح الله الأمير، وأمتع به، قال: فنظر الحجاج إلى أهل الشام فقال: صدق والله يا أهل الشام ما كانوا بررة أتقياء فيتورعوا عن قتالنا، ولا فجرة أقوياء فيقووا علينا، ثم قال: انطلق يا شعبي فقد عفونا عنك، فأنت أحق بالعفو ممن يأتينا وقد تلطخ بالدماء ثم يقول: كان وكان، قال: وكان قد أحضر بالباب رجلان، وأحدهما من بكر بن وائل، والآخر من تميم، وكانا قد سمعا ما قيل للشعبي بالباب أن يقوله، فلما أدخلا. قال الحجاج للبكري: أمنافق أنت؟ قال: نعم، أصلح الله الأمير، لكن أخو بني تميم لا يبوء (3) على نفسه بالنفاق. قال التميمي: أنا على دمي أخدع؟، بل أنا - أصلح الله الأمير - منافق مشرك فتبسم الحجاج وأمر بتخلية سبيلهما.
قال الشعبي: فوالله ما أتى لذلك الأمر إلا نحو من شهرين، حتى رفعت إليه فريضة أشكلت عليه، وهي أم، وجد، وأخت. فقال: من هاهنا نسأله عنها؟
قال: فدل علي، فأرسل إلي، وقال يا شعبي ما عندك في هذه الفريضة، أم، وأخت وجد؟ فقلت: أصلح الله الأمير. قال فيها خمسة من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم. قال: من قال فيها؟ قلت: قال فيها علي بن أبي طالب، وأمير المؤمنين عثمان بن عفان، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن مسعود، وزيد بن ثابت. قال: هات ما قال فيها علي. فأخبرته. قال: فما قال فيها ابن مسعود؟ فأخبرته، قال: فما قال فيها ابن عباس؟ فوالله لقد كان متفقها (4) فأخبرته. قال: فما قال فيها أمير المؤمنين عثمان؟ فأخبرته. قال: فما قال زيد بن ثابت؟ قلت: أخذها من تسعة أسهم، فأعطى الأم ثلاثة أسهم، وأعطى الجد أربعة أسهم، وأعطى الأخت سهمين. فلما سمع ما كان من قول كل واحد