فدعا الحجاج ابن عم له (1)، كان يعرفه بالنصيحة والهوى، فقطع معه ليلا، وأرسله في طلب ابن الأشعث إلى مواضع شتى، وعهد إليهم أن لا يدركوا أحدا إلا أتوا به أو برأسه أو يموت، فوقف الحجاج طويلا في مكانه ذلك المرتفع ينظر إلى معسكر ابن الأشعث، وأصحابه ينتهبونه، ثم رجع إلى معسكره فنزل، ودخل فسطاطه فجلس، وأذن لأصحابه فدخلوا عليه، فقام كل واحد منهم يهنئه بالفتح، وجعل ابن جبلة يأتيه بالأسرى، فكلما أتي بأسير أمر به فضربت عنقه، فكان ذلك فعله يومه ذلك إلى الليل، فلما أصبح وتراجع إليه أكثر خيله، أمر مناديه ينادي بالقفل، فقفل وقفلت معه أجناده، وجميع أصحابه إلى مدينة واسط، فكان فيها وهو الذي كان بناها، قال: وضرب ابن الأشعث ظهرا لبطن، ليلا ونهارا حتى لحق بخراسان، ورجا في لحوقه بها النجاة من الحجاج، والحذر لنفسه، ولم يشعر بالخيل التي بعثت في طلبه حتى غشيته، فلم تزل تطلبه من موضع إلى موضع، حتى استغاث بقصر منيف، فحصره ابن عم الحجاج فيه، وأحاطت به الخيل من كل جانب، حتى ضيق عليه، ودعا بالنار ليحرقه في القصر، فلما رأى ابن الأشعث أنه لا محيص له ولا ملجأ، وخاف النار، رمى بنفسه من بعض علالي القصر (2)، وطمع أن يسلم ولا يشعر به فيدخل في غمار النار، فيخفى أمره، ويكتم خبره، فسقط فانكسرت ساقه، وانخذل ظهره ووقع مغشيا عليه، قال: فشعر به أصحاب الحجاج فأخذوه، وقد أفاق
(٥٥)