عبد الملك بن مروان أن أمدني بالرجال، قال: فأمده بمحمد بن مروان في أناس من بني أمية كثير (1)، وجعل الحجاج أميرا عليهم، فسار الحجاج إلى ابن الأشعث، فاقتتلوا أياما بدير الجماجم، حتى كثر القتل في الفريقين جميعا، ثم إن ابن الأشعث لما حشد العسكر والحجاج بالبصرة. عسكر على مسير ثلاثة أميال من البصرة على نهر يقال له نهر ابن عمر، فكتب ابن الأشعث يسأله أن يتنحى عنهم لما كرهوا ولايته، حتى يستعمل عليهم أمير المؤمنين غيره، من هو أحب إليهم منه. فلما انتهى إليه رسوله قال الحجاج: أدخلوه، فلما دخل سلم عليه بالإمارة، قال: من أنت؟ قال: رجل من خزاعة. قال: من أهل البصرة أنت، أم من أهل الكوفة؟ قال: لا، بل من أهل سجستان. قال: هل تأخذ لأمير المؤمنين ديوانا؟ قال: لا، قال: أفمن وزراء ابن الأشعث أنت علينا في هذه الفتنة يا أخا خزاعة؟ قال: والله ما هويتها، ولقد جلبني إليك مكرها، قال: فكيف تسليمك على صاحبك إذا انصرفت إليه؟ قال: بالإمرة، قال: فهل ترى في ذلك أنك صادق؟ قال: الله أعلم بأي الأمرين هو في نفسك أعلى الصواب أم على الخطأ؟ قال: الله أعلم أي الأمرين في نفسي. قال: أما إنك يا أخا خزاعة قد رددت الأمر إليه وهو تعالى أعلم، انطلق إلى صاحبك بكتابك كما جئت به، وأعلمه بالذي كان من ردنا عليك، فإنه جوابه عندنا، ونحن مناجزوه القتال، ومحاكموه إلى الله من يوم الأربعاء إن شاء الله، فليعد وليستعد لذلك، فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون، وذلك يوم الأحد. قال: فلما انصرف رسوله إليه ناوله الكتاب، فلما رآه بخاتمه، أي مثل ما بعثه كف، فلم يسأله أمام من حضر، حتى ارتفع الناس، ثم دعاه فأخبره الخبر. قال: وما وراء ظهرك إلا هذا؟ قال له: في دون ما جئتك به ما يكفيك، فقد رأيت أمرا صعبا ليس وراءه إلا المناجزة. ثم إن الحجاج هتف هتفة أن اجتمعوا للعطية، ففرق العطية في ثلاث مواضع، وكان قواده يومئذ ثلاثة: سفيان بن الأبرد الكلبي على ميمنته،
(٥٢)