وأعز أمره، أقرب قرابة وأوجب حقا، ونحن ألزم لطاعة الأمير أكرمه الله، من أن نسارع له في معصية أو نبطئ عنه في طاعة، فأجابه الحجاج فقال: يا سلمة، هذا قول حسن، لا أدخله صدري، ولأردنه في نحرك، حتى نبتلي حقيقته إن شاء الله، وكان قوله هذا على المنبر، وقد عسكر بأجناده بالزاوية (1) والزاوية في طرف من ناحية البصرة في طرف بني تميم. ثم إنه خرج من المسجد، وحشد الناس من كان في الطاعة يومئذ من أهل العراق، وقد كان انهزم لابن الأشعث غير ما مرة، وقتل له ابن الأشعث خلقا لا تحصى كثرة، قبل هذه المرة، حتى يئس من نفسه وقال: أترون العجوز، ابنة الرجل الصالح كذبتني؟ يعني أسماء بنت أبي بكر الصديق، لئن صدقت أسماء لا أقتل اليوم. وكان الحجاج لما فرغ من قتال عبد الله بن الزبير، بعث إلى أمه أسماء بنت أبي بكر الصديق أن تأتيه، فأبت أن تأتيه. فقال: والله لئن لم تأتني لأبعثن إليها من يجر بقرون رأسها، ويسحبها حتى تصل إلي، فقيل ذلك لها. فقالت: والله لا أسير إليه حتى يبعث إلي من يجر بقرون رأسي. فأقبل الحجاج حتى وقف عليها، فقال لها: كيف رأيت ما فعل الله تعالى بابنك، عدو الله؟ الشاق لعصا المسلمين، المفني لعباده والمشتت لكلمة أمة نبيه؟ فقالت: رأيته اختار قتالك، فاختار الله ما عنده، إذ كان إكرامه خيرا من إكرامك. ولكن يا حجاج بلغني أنك تنتقصني بنطاقي هذين، أو تدري ما نطاقاي؟ أما النطاق هذا فشددت به سفرة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غزوة بدر، وأما النطاق الآخر، فأوثقت به خطام بعيره.
فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما إن لك به نطاقين في الجنة، فانتقص علي بعد هذا أو دع، ولكن لا إخالك يا حجاج، أبشر فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: منافق ثقيف يملأ به زاوية من زوايا جهنم، يبيد الخلق، ويقذف الكعبة بأحجارها، ألا لعنة الله عليه! فأفحم الحجاج ولم يحر جوابا. قال: وسار ابن الأشعث بعدما هزم الحجاج مرارا إلى الكوفة حتى نزل دير الجماجم (2)، فقتل للحجاج فيه خلق كثير، وكتب إلى