الحجاج قد انكسرت ناحيته، وزال عنها، بعث إليه ابن عمه الحكم بن أيوب في خيل. فقال: انطلق إلى عدو الله فاضرب وجهه بالسيف حتى ترده إلى مقامه، ففعل، وبعث إلى سفيان بن الأبرد يأمره بقتال القوم ومحاربتهم، فحمل عليهم سفيان وهم مشغولون بالميسرة قد طمعوا فيها، وكان بإذن الله الفتح والغلبة من ناحية سفيان، وقد بعث إليه الجرشي يستأذنه للقتال، فمنعه الحجاج وقال له:
لا، إلا أن ترى أمرا مقبلا، وتمكنا من فرصة، فاجتمع الأمر، وثاب العكي، وانهزم ابن الأشعث، واستحقت هزيمته (1)، فدعا الحجاج بدابته فركبها، وركب من كان مترجلا معه، بعد سجود ودعاء، وشكر كان منه، على ما صنع الله به ومن كان معه، وحمدوا الله تعالى كثيرا، وكبروا تكبيرا عاليا، ثم انتهى إلى ربوة فأومأ إليها، ثم استقبل ناحيتهم والسيوف تأخذهم، وحسر بيضته (2) عن رأسه، فجعل يقرع رأسه بخيزران في يده، وهو يتمثل بهذه الأبيات، وهي من قول عبيد بن الأبرص، أو من قول اليشكري:
كيف يرجون سقاطي بعد ما * جلل الرأس بياض وصلع ساء ما ظنوا وقد أوريتهم * عند غايات الوغى كيف أقع رب من انضجت غيظا قلبه * قد تمنى لي موتا لم يطع ويراني كالشجى في حلقه * عسرا مخرجه ما ينتزع مربد يهدر ما لم يرني * فإذا أسمعته صوتي انقمع ويحييني إذا لاقيته * وإذا يخلو له الحمى رتع ورث البغضاء عن والده * حافظا منه الذي كان استمع ولساني صيرفي صارم * كذباب السيف ما مس قطع قال: فلما فرغ الحجاج من هذه الأبيات كبر، ثم حمد الله بما هو أهله، للذي كان من صنعه به وبجماعته، فبينا هو كذلك، إذ أتاه من يخبره أن ابن الأشعث قد انخزل من أصحابه في نفر يسير، متوجها إلى ناحية خراسان (3)،