فدخل عليه عمر بن عبد العزيز عائدا، فدعا سليمان بنين له صغارا، فقلدهم السيوف، فوقعوا في الأرض. فقال سليمان: قد أفلح من كان له بنون كبار (1).
فقال عمر: ليس هكذا قال الله. فقال سليمان: وكيف قال الله؟ فقال عمر: قال الله تعالى: (قد أفلح من تزكى، وذكر اسم ربه فصلى) [الأعلى: 24 - 25]، فقال سليمان: إني أريد أن أعهد إليك، وأوليك أمور الناس بعدي. فقال عمر:
لا حاجة لي بذلك. فقال سليمان: ولم ذلك؟ فقال: لأني لا أريد أخذ أموالهم، فإذا لم أرد أخذ أموالهم، فما الذي يدعوني إلى ضرب ظهورهم؟ فقال سليمان:
لا بد من هذا. فقال عمر: ولم ذلك؟ ولك في ولد عبد الملك سعة، فأعفني من هذا يعف الله عنك. فقال له سليمان: والله لا أوليها غيرك بعدي. فقال عمر:
وما الذي يدعوك إلى هذا؟ فقال سليمان: إني رأيت في منامي قائلا يقول لي:
إن عمر بن عبد العزيز لك جنة ووقاية وجسر تتخطاه. فأولت ذلك - إن شاء الله - أن أوليك الأمر من بعدي، لتكون توليتي لك جنة من النار، وجسرا أركبه، لأنجو عليه من عذاب يوم القيامة ثم ليزيد بعدك (2)، فإنه أرشد ولد عبد الملك. فقال عمر: إن هذا الأمر لا يسعني بيني وبين الله عز وجل، أن أتقدم على أمة محمد، وفيهم خير مني. فقال سليمان: أما في آل أمية وعبد شمس فلا أعلم خيرا منك. فقال عمر: إن لم يكن في آل أمية وعبد شمس خير مني بقولك، ففي آله عبد مناف وآل هاشم من هو خير مني. فقال سليمان: لا، فقال عمر: ففي آل تيم وعدي خير مني، وملء الأرض مثلي. فقال سليمان: إنما تريد القاسم وسالما؟ (3) قال: نعم، إياهما أردت. فقال سليمان: رجلان صالحان ذكرت، ولكنهما ليسا للملك، ولا الملك لهما، ولا من معدن الملك هما، مع أنه ليس بزمان خلافة، ولا أيام يملك فيها مثل القاسم وسالم، إنما هو زمان ملك وسيف وإنما هي ذئاب تعدو ليست على غنم تؤمن. فقال عمر: الله المعين، المصلح