الامامة والسياسة - ابن قتيبة الدينوري ، تحقيق الزيني - ج ٢ - الصفحة ١٦٢
في اليوم الثاني إلى مثل ذلك، قد شايعه في طريقه الوزراء والقواد، وأمراء الأجناد، والعلماء والفقهاء، والجنود والعساكر قد صاروا منه بمعزل يحاذونه في طريقه. إذا نزل في الرواق صار الخصيان حوله، بحيث يسمعون كلامه، ولا يرون شخصه، فلا يشتهي شيئا من معرفة أخبار الأمصار والبلدان، إلا وخط فيه كتابا، يأمر فيه بإيصاله لحيث شاء من الأماكن، مسيرة الأيام والليالي، فيأتيه الجواب من يومه على النجائب من مسيرة ثمانية أيام، ويأتيه الجواب من يومه من مسيرة شهر ونحوه على أجنحة الحمام، يعلق الكتاب في جناحه فيرتفع في الجو ارتفاعا يغيب شخصه عمن في الأرض، وينقض على وطنه، وموضع فراخه، فإذا نزل لا يستقر نزوله، حتى يؤخذ الكتاب من جناحه، فيجاوب بما أحب، ثم يسرح غيره، فيرتفع في الجو حتى يوازي وطنه وموضعه من بعد تلك الأماكن التي عليها طريق أمير المؤمنين، فيؤخذ الجواب منه، وقد صار الموكلون بذلك لا يهتمون بغير ما قلدوا، ولا يتشاغلون بغير ما حملوا، فلم يزل كذلك ماشيا، حتى وصل إلى مكة في ثلاثة أشهر، فقضى حجه، وشهد مناسكه ومشاعره، ثم انصرف قافلا إلى بغداد، وذلك في آخر شهر ذي الحجة من سنة ثمانين ومئة. فلما هم بالانصراف، وذكر القفول إلى العراق، رفع إليه أهل مكة كتابا يسألونه فيه أن يولي عليهم قاضيا عدلا، فأدخلهم على نفسه، فقال: إن شئتم فاختاروا منكم رجلا صالحا أوليه قضاءكم، وإن أحببتم بعثت إليكم من العراق رجلا لا آلوكم فيه إلا خيرا، فخرجوا فاختاروا رجلا، فاختلفوا فيه، فاختارت طائفة منهم رجلا، واختارت أخرى رجلا آخر، فلما اختلفوا ارتفعوا إلى الرشيد يذكرون اختلافهم. فقال لهم هارون: أدخلوا علي هذين الرجلين اللذين اختلفتم فيهما، فإذا برجلين، أحدهما شيخ من قريش، والآخر غلام حدث من الموالي. فلما نظر إليهما الرشيد قال للشيخ: ادن مني، فدنا منه، فقال له الرشيد: أيها القاضي، إن بيني وبين وزيري هذا خصومة وتنازعا، فاقض بيننا بالحق. فقال الشيخ: قصا علي قصتكما، فقصا عليه، فقال الشيخ: تقيم البينة يا أمير المؤمنين على ما ذكرته، أو يحلف وزيرك هذا. فقال له هارون: إن أخي لا يدافعني ما أقول، ولا ينكر إلا قليلا مما أدعى، فلم يزالا يرددان القول بينهما ويتنازعان، حتى قضى القاضي لأمير المؤمنين على الوزير. فقال له: قم، فقام عنه. ثم دعا بالغلام الحدث، الذي دعته الطائفة الأخرى، فدخل عليه. فقال له: ادن مني، فدنا منه. فقال له هارون: إن بيني وبين وزيري تنازعا وخصومة، فاسمع منا قولنا، ثم اقض بيننا بالحق. قال لهما: إن مقعدكما مختلف، ومجلسكما متناء، وأخشى إذا اختلف مجلسكما أن يختلف قولكما، فإذا تفاضل مجلس الخصوم اختلف بينهما القول، وكان صاحب المجلس الأرفع ألحن بحجته، وأدحض لحجة صاحبه،
(١٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 157 158 159 160 161 162 163 164 165 166 167 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 ذكر اختلاف الرواة في وقعة الحرة وخبر يزيد 3
2 ولاية الوليد المدينة وخروج الحسين بن علي 4
3 قتال عمرو بن سعيد الحسين وقتله 5
4 قدوم من أسر من آل علي على يزيد 6
5 إخراج بني أمية عن المدينة، وذكر قتال أهل الحرة 7
6 حرب ابن الزبير رضي الله عنهما 9
7 خلاف معاوية بن يزيد 10
8 غلبة ابن الزبير رضي الله عنهما وظهوره 11
9 حريق الكعبة - اختلاف أهل الشام على ابن الزبير 12
10 بيعة أهل الشام مروان بن الحكم - موت مروان بن الحكم 13
11 بيعة عبد الملك بن مروان وولايته 14
12 غلبة ابن الزبير على العراقيين وبيعتهم 15
13 بيعة أهل الكوفة لابن الزبير وخروج ابن زياد عنهما 16
14 قتال المختار عمرو بن سعد 19
15 قتل مصعب بن الزبير المختار بن أبي عبيد الله - خلع ابن الزبير 20
16 قتل عبد الملك عمرو بن سعيد 21
17 مسير عبد الملك إلى العراق 22
18 قتل مصعب بن الزبير - ذكر حرب ابن الزبير وقتله 23
19 ولاية الحجاج على العراقيين 25
20 خروج ابن الأشعث على الحجاج 26
21 حرب الحجاج مع ابن الأشعث وقتله 29
22 أسر عامر بن سعيد الشعبي 39
23 انهزام ابن الأشعث وقيام عبد الرحمن بن عياش 41
24 ذكر قتل سعيد بن جبير 42
25 ذكر بيعة الوليد وسليمان بن عبد الملك 44
26 موت عبد الملك وبيعة الوليد 46
27 تولية موسى بن نصير البصرة 48
28 دخول موسى بن نصير على عبد الملك بن مروان - تولية موسى بن نصير على إفريقية 49
29 خطبة موسى بن نصير رحمه الله - دخول موسى بن نصير إفريقية 50
30 خطبة موسى بإفريقية 51
31 فتح زعوان - قدوم كتاب الفتح على عبد العزيز بن مروان - إنكار عبد الملك تولية موسى بن نصير 52
32 جوابه - كتاب عبد العزيز بالفتح إلى عبد الملك - جوابه 53
33 فتح هوارة وزناته وكتامة - فتح صنهاجة 54
34 فتح سجوما 55
35 قدوم الفتح على عبد الملك بن مروان 56
36 غزوة موسى في البحر 57
37 غزوة السوس الأقصى 58
38 قدوم الفتوحات على الوليد بن عبد الملك - فتح قلعة أرساف 59
39 فتح الأندلس 60
40 اتهام الوليد موسى بالخلع - دخول وفد موسى على الوليد بن عبد الملك 62
41 ذكر ما وجد موسى في البيت الذي وجد فيه المائدة مع صور العرب - ذكر ما أفاء الله عليهم 63
42 غزوة موسى بن نصير البشكنس والإفرنج 64
43 خروج موسى بن نصير من الأندلس - قدوم موسى إفريقية 66
44 قدوم موسى إلى مصر - قدوم موسى على الوليد رحمهما الله 68
45 خلافة سليمان بن عبد الملك وما صنع بموسى بن نصير 69
46 عدة موالي موسى بن نصير 70
47 ذكر ما رآه موسى بالمغرب من العجائب 71
48 تولية سليمان بن عبد الملك أخاه مسلمة وما أشار به موسى عليه 72
49 سؤال سليمان موسى عن المغرب 73
50 ذكر قدوم موسى على الوليد 74
51 ذكر اختلاف الناقلين في صنع سليمان بموسى 77
52 نسخة القضية 77
53 ذكر يد موسى إلى المهلب 78
54 ذكر قتل عبد العزيز بن موسى بالأندلس 79
55 قدوم رأس عبد العزيز بن موسى عن أخباره وأفعاله 83
56 ذكر ولاة الأندلس بعد موسى بن نصير - ذكر حج سليمان مع عمر بن عبد العزيز 86
57 ما قال طاووس اليماني لسليمان بمكة 87
58 ذكر وفاة سليمان واستخلافه عمر بن عبد العزيز 92
59 أيام عمر بن عبد العزيز 96
60 ذكر قدوم جرير بن الخطفى على عمر بن عبد العزيز 97
61 وفاة الرشيد والمأمون خارج العراق - اتصال أشرار العراق بالأمين وإيغار صدره على أخيه الأمين 174
62 دخول المأمون قصر الخلافة وحبسه أخاه الأمين - هروب الأمين من السجن وقتله - تمام الكتاب 175