له اخرج: فدعا الرشيد بيحيى بن خالد بن برمك، وكان ممن رفع إليه أسماءهم، فعنفه بهم، وقال: رفعت إلي أسماء المجانين. قال له: والله ما في العراقيين أعقل من الرجلين اللذين سألت، ولا أفضل منهما. فقال: ويحك إني اختبرت منهما جنونا. قال يحيى: إنهما والله كانا كارهين لما دعوتهما إليه وإنما أراد التخلص منك. قال: ويحك: أعدهما علي، فطلبا فلم يوجدا.
ذكر الأعرابي مع هارون الرشيد قال: وذكروا أن أعرابيا قدم على هارون الرشيد مستجديا، فأراد الدخول عليه، فلم يمكنه ذلك، فلما رأى أنه لم يؤذن له، أتى عبد الله ابن الفضل الحاجب، فقال له: توصل كتابي هذا إلى أمير المؤمنين، وكان الرشيد قد عهد إلى حاجبه أن لا يحبس عنه كتاب أحد قرب أو بعد، فأعطاه الأعرابي كتابا فيه أربعة أسطر. السطر الأول فيه: الضرورة والأمل قاداني إليك. والثاني العدم يمنع من الصبر. والثالث: الانقلاب عنك بلا فائدة شماتة الأعداء. والرابع: فإما " نعم " مثمرة! وإما " لا " مريحة. فلما وصل الكتاب إلى الرشيد قال: هذا رجل قد ساقته الحاجة، ووصلت إليه الفاقة، فليدخل، فدخل فقال له الرشيد:
إرفع حاجتك يا أعرابي. فقال الأعرابي: إن مع الحاجة حويجات. فقال له الرشيد: ارفع حاجتك وحويجاتك تقض كلها. قال الأعرابي: تأمر لي يا أمير المؤمنين بكلب أصيد به، فضحك الرشيد ثم قال له: قد أمرنا لك بكلب تصيد به. فقال: تأمر لي يا أمير المؤمنين بداية أركبها: فقال الرشيد: قد أمرنا لك بداية تركبها. فقال: تأمر لي يا أمير المؤمنين بغلام يخدم الدابة. فقال له الرشيد: قد أمرنا لك بغلام. قال الأعرابي: تأمر لي يا أمير المؤمنين بجارية تطبخ لنا الصيد، وتطعمنا منه، فقال الرشيد: قد أمرنا لك بجاريتين، جارية تؤنسك وجارية تخدمك. فقال الأعرابي: لا بد لهؤلاء، من دار يسكنونها. فقال له الرشيد: قد أمرنا لك بدار، فقال الأعرابي: يا أمير المؤمنين يصيرون فيها عالة على الناس، وعلي كلالة، لا يدلهم من ضيعة تقيمهم. فقال له الرشيد: قد اقتطعتك مئة جريب (1) عامرة ومئة جريب غامرة (2). فقال الأعرابي: ما الغامرة يا أمير المؤمنين؟ قال الرشيد: غير معمورة تأمر بعمارتها. فقال الأعرابي: أنا أقطعتك ألف ألف جريب من أرض أخوالي بني أسد بالحجاز تأمر بعمارتها، فضحك الرشيد وقال: قد أقطعتكها عامرة كلها. ثم قال الرشيد: تمت