إن شاء الله. وإن ولي عهدي فيكم، وصاحب أمري بعد موتي، في كل من استخلفني الله عليه، الرجل الصالح عمر بن عبد العزيز ابن عمي لما بلوت من باطن أمره وظاهره، ورجوت الله بذلك وأردت رضاه ورحمته إن شاء الله، ثم ليزيد بن عبد الملك من بعده، فإني ما رأيت منه إلا خيرا، ولا اطلعت له على مكروه، وصغار ولدي وكبارهم إلى عمر، إذ رجوت ألا يألوهم رشدا وصلاحا، والله خليفتي عليهم، وهو أرحم الراحمين، وأقرأ عليكم السلام ورحمة الله.
ومن أبى عهدي هذا وخالف أمري فالسيف، ورجوت أن لا يخالفه أحد، ومن خالفه فهو ضال مضل يستعتب (1) فإن أعتب، وإلا فالسيف، والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله القديم الإحسان.
أيام عمر بن عبد العزيز قال: وذكروا عن خالد بن أبي عمران أنه قال: إني لحاضر يوم قرئ عهد سليمان في المسجد بدمشق على الناس، فما رأيت يوما أكثر باكيا ولا داعيا له بالرحمة من ذلك اليوم، فلم يبق محب ولا مبغض ولا خارجي ولا حروري (2) إلا أخذ الله له بقلوبهم، وابتهلوا بالدعاء وأخلصوا له بالسؤال بالعفو من الله، ورضي الناس أجمعون فعله، قال خالد: ثم بايع الناس لعمر في المسجد بيعة تامة جامعة طيبة بها النفوس، لا يشوبها غش، ولا يخالطها دنس، قال خالد: وسمعت رجاء (3) يقول لما تمت البيعة: إني مهما شككت في شئ فإني لم أشك يوم البيعة لعمر بالنجاة، والرحمة لسليمان إن شاء الله، واستفتح عمر ولايته ببيع أموال سليمان، ورباعه وكسوته (4)، وجميع ما كان يملكه، فبلغ ذلك أربعة وعشرين ألف دينار، فجمع ذلك كله، وجعله في بيت المال، ثم دخل على زوجته فاطمة ابنة عبد الملك، فقال لها: يا فاطمة، فقالت لبيك يا أمير المؤمنين، فجعل يبكي، وكان لها محبا، وبها كلفا (5)، ثم استفاق من بكائه، فقال