ويحك يا سهل، طرق النوم شفري عيني، فأظلمت وأكلت السنة خواطري، فما ذاك؟ قلت:
طيف كريم، إن أقصيته أدركك، وإن غالبته غلبك، وأن قربته روحك، وإن منعته عنتك، وإن طردته طلبك. فنام أقل من فواق بكية (1) أو نزح ركية (2)، ثم انتبه مذعورا، فقال: يا سهل، لأمر ما كان، ذهب والله ملكنا، وذل عزنا، وانقطعت أيام دولتنا. فقلت: وما ذاك أصلح الله الوزير. قال: كأن منشدا أنشدني:
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا * أنيس ولم يسمر بمكة سامر فأجبته عن غير روية ولا إجالة فكر:
بلى نحن كنا أهلها فأبادنا * صروف الليالي والجدود العواثر فوالله ما زلت أعرفها فيه، وأراها ظاهرة منه إلى الثالث من يومه ذلك، فإني لفي مقعدي ذلك بين يديه، أكتب توقيعات في أسافل كتبه لطلاب الحاجات إليه، فقد كلفني إكمال معانيها بإقامة الوزن فيها، إذ وجدت رجلا ساعيا إليه، حتى ارتمى مكبا عليه، فرفع رأسه وقال:
سهلا ويحك: ما اكتتم خير، ولا استتر سر. قال له: قتل أمير المؤمنين الساعة جعفرا. قال:
أو فعل؟ قال: نعم، فما زاد أن رمى بالقلم من يده وقال: هكذا تقوم الساعة بغته. قال سهل:
فلو انكفأت السماء على الأرض ما تبرأ منهم الحميم، أو استبعد عن نسبهم القريب، وجحد ولاءهم المولى، واستعبرت لفقدهم الدنيا، فلا لسان يخطر بذكرهم، ولا طرف ناظر يشير إليهم، وضم يحيى وبقية ولده الفضل، ومحمدا وخالدا بنيه، وعبد الملك ويحيى وخالدا بني جعفر بن يحيى، والعاصي ويزيد، ومعمرا بني الفضل بن يحيى، ويحيى وجعفرا وزيدا، بني محمد بن يحيى، وإبراهيم ومالكا وجعفرا وعمرا بني خالد بن يحيى، ومن لف لفهم، أو هجس بنفسه أمل فيهم.
قال سهل: وبعث إلي الرشيد فوالله لقد أعجلت عن النظر، فدخلت ولبست ثياب أحزاني، وأعظم رغبتي إلى الله الإراحة بالسيف، وإلا نعيت كما نعي جعفر فلما دخلت