إليك الحجاج بن يوسف، وقد أمر فيك بأغلظ أمر، فالنجاة، والوحي الوحي (1)، فإما أن تلحق بالفرس فتأمن وإما أن تلحق بعبد العزيز بن مروان مستجيرا به، ولا تمكن ملعون ثقيف من نفسك فيحكم فيك. فلما أتاه الكتاب: ركب النجائب ولحق بالشام، وبها يومئذ عبد العزيز بن مروان قد وفد بأموال مصر. فكتب الحجاج من العراق: يا أمير المؤمنين، إنه لا قدر لما اقتطعه موسى بن نصير من أموال العراق، وليس بالعراق، فابعث به إلي.
دخول موسى بن نصير على عبد الملك بن مروان قال: وذكروا أن عبد الرحمن بن سالم حدثهم عن أبيه، أنه حضر يومئذ شأن موسى، ودخوله على عبد الملك. قال: وكانت لموسى يد عظيمة عند عبد العزيز بن مروان يطول ذكرها قال سالم، قال لي موسى: لما قدمت الشام لقيت بها عبد العزيز، وكان ذلك من صنع الله، فأدخلني على عبد الملك، فلما رآني عبد الملك قلت: موسى. قال: ما تزال تعرض لحيتك علينا؟
قال: قلت لم يا أمير المؤمنين؟ قال: لجرأتك علي واقتطاعك الفئ. قال: فقلت ما فعلت يا أمير المؤمنين، وما ألوتك نصحا واجتهادا وإصلاحا، قال: أقسم لتؤدين دينك خمسين مرة. قال: قلت لم يا أمير المؤمنين؟ قال: فما تركني أتمها حتى قال: قم لتؤدينها مئة مرة، فذهبت لأتكلم، فأشار علي عبد العزيز أن قل نعم. فقلت: نعم يا أمير المؤمنين، ثم خرجت فأعانني عبد العزيز بخمسين ألفا، وأديت خمسين ألفا في ثلاثة أشهر نجمها علي.
تولية موسى بن نصير على إفريقية قال: وذكروا أن عبد العزيز لما رجع إلى مصر، سار موسى معه. فكان من أشرف الناس عنده، فأقام بها ما أقام حتى قدم حسان بن النعمان من إفريقية يريد الشام إلى عبد الملك وقد فتح له بها فتحا، وقتل الكاهنة، فأجازه عبد الملك وزاده برقة، ورده إليها، أي إلى إفريقية واليا، فأقبل حتى نز مصر، وبعث معه بعثا من هناك، فأخذوا أعطياتهم منه، ثم ساروا حتى نزلوا ذات الجماجم. قال: فبلغ ذلك عبد العزيز وأن حسان بن النعمان يطلب برقة من عند عبد الملك، وأنه قد ولاه إياها، فبعث إليه فقال له: أولاك أمير المؤمنين برقة؟ قال: نعم.
فقال له عبد العزيز: لا تعرض، وكان عليها مولى لعبد العزيز. فقال حسان: ما أنا فاعل.