حتى صالح عمرو بن سعيد، على أنه الخليفة بعده، ففتح دمشق، ثم أرسل عبد الملك إلى عمرو، وكان بيت المال في يد عمرو، أن أخرج للحرس أرزاقهم. فقال عمرو: إن كان لك حرس فإن لنا حرسا، فقال عبد الملك: أخرج لحرسك أرزاقهم أيضا.
قتل عبد الملك عمرو بن سعيد قال: وذكروا أن أبا معشر قال: لما اصطلح عبد الملك وعمرو بن سعيد على أنه الخليفة بعده أرسل عبد الملك إلى عمرو بن سعيد نصف النهار أن ائتني أبا أمية. قال فخرج ليأتيه، فقالت له امرأته لا تذهب إليه فإني أتخوفه عليك، وإني لأجد ريح دم مسفوح. قال: فما زالت به حتى ضربها بقائم سيفه، فشجها، فتركته، فأخرج معه أربعة آلاف رجل من أهل دولته، لا يقدر على مثلهم، متسلحين، فأحدقوا بخضراء دمشق، وفيها عبد الملك بن مروان. فقالوا لعمرو: إذا دخلت على عبد الملك يا أبا أمية ورابك منه شئ فأسمعنا صوتك، فقال لهم: إن خفي عليكم صوتي ولم تسمعوه، فالزوال بيني وبينكم ميعاد، إن زالت الشمس ولم أخرج إليكم، فاعلموا أني مقتول أو مغلوب، فضعوا أسيافكم ورماحكم حيث شئتم، ولا تغمدوا سيفا حتى تأخذوا بثأري من عدوي. قال: فدخل، وجعلوا يصيحون: يا أبا أمية، أسمعنا صوتك. وكان معه غلام أسحم شجاع. فقال له: اذهب إلى الناس فقل لهم: ليس عليه بأس، ليسمع عبد الملك أن وراءه ناسا، فقال له عبد الملك: أتمكر يا أبا أمية عند الموت! خذوه، فأخذوه، فقال له: إن أمير المؤمنين قد أقسم ليجعلن في عنقك جامعة منه، ثم نتر إلى الأرض نترة، فكسرت ثنيته. قال: فجعل عبد الملك ينظر إليه. فقال عمرو: لا عليك يا أمير المؤمنين، عظم انكسر. فقال عبد الملك لأخيه عبد العزيز: اقتله حتى أرجع إليك. قال:
فلما أراد عبد العزيز أن يضرب عنقه، قال له عمرو: تمسك بالرحم يا عبد العزيز أنت تقتلني من بينهم فتركه، فجاء عبد الملك فرآه جالسا، فقال له: لم لا تقتله؟ لعنه الله ولعن أما ولدته!
قال: فإنه قال: تمسك بالرحم فتركته. قال: فأمر رجلا عنده يقال له ابن الزويرع، فضرب عنقه، ثم أدرجه في بساط، ثم أدخله تحت السرير. قال: فدخل عليه قبيصة بن ذؤيب الخزاعي، وكان أحد الفقهاء، وكان رضيع عبد الملك بن مروان، وصاحب خاتمه ومشورته، فقال له عبد الملك:
كيف رأيك في عمرو بن سعيد؟ فأبصر قبيصة رجل عمرو تحت السرير، فقال: اضرب عنقه يا أمير المؤمنين. فقال له عبد الملك: جزاك الله خيرا، فما علمتك إلا ناصحا أمينا موافقا، قال له: فما ترى في هؤلاء الذين أحدقوا بنا، وأحاطوا بقصرنا؟ قال قبيصة: اطرح رأسه إليهم يا أمير المؤمنين، ثم اطرح عليهم الدنانير والدراهم يتشاغلون بها. قال: فأمر عبد الملك