لأفتشه فنازعني، فأخذت القصبة من يده فضربت بها عنقه فانكسرت، فتناثر منها اللؤلؤ والجوهر والدنانير، ثم إن موسى أمر بتلك المراكب ومن نجا من النواتية، فأدخلهم دار الصناعة بتونس، ثم لما كانت سنة خمس وثمانين أمر الناس بالتأهب لركوب البحر، وأعلمهم أنه راكب فيه بنفسه، فرغب الناس وتسارعوا، ثم شحن فلم يبق شريف ممن كان معه إلا وقد ركب حتى إذا ركبوا في الفلك، ولم يبق إلا أن يرفع هو، دعا برمح فعقده لعبد الله بن موسى بن نصير، وولاه عليهم وأمره، ثم أمره أن يرفع من ساعته، وإنما أراد موسى بما أشار من مسيره، أن يركب أهل الجلد والنكاية والشرف، فسميت غزوة الأشراف، ثم سار عبد الله بن موسى في مراكبه، وكانت تلك أول غزوة غزيت في بحر أفريقية. قال: فأصاب في غزوته تلك صقلية، فافتتح مدينة فيها، فأصاب ما لا يدري، فبلغ سهم الرجل مئة دينار ذهبا، وكان المسلمون ما بين الألف إلى التسع مئة، ثم انصرف قافلا سالما. فأتت موسى وفاة عبد العزيز بن مروان، واستخلاف الوليد بن عبد الملك سنة ست وثمانين، فبعث إليه بالبيعة، وبفتح عبد الله بن موسى، وما أفاء الله على يده، ثم إن موسى بعث زرعة بن أبي مدرك إلى قبائل من البربر، فلم يلق حربا منهم ورغبوا في الصلح، فوجه رؤوسهم إلى موسى، فأعطاهم الأمان، وقبض رهونهم، وعقد لعياش ابن أخيل على مراكب أهل أفريقية، فشتا في البحر، وأصاب مدينة يقال لها سرقوسة، ثم قفل في سنة ست وثمانين، ثم إن عبد الله بن مرة قام بطالعة أهل مصر على موسى في سنة تسع وثمانين فعقد له موسى على بحر أفريقية، فأصاب سردانية، وافتتح مدائنها، فبلغ سبيها ثلاثة آلاف رأس، سوى الذهب والفضة والحرث وغيره.
غزوة السوس الأقصى قال: وذكروا أن موسى وجه مروان ابنه إلى السوس الأقصى، وملك السوس يومئذ مزدانة الأسواري، فسار في خمسة آلاف من أهل الديوان (1) فلما اجتمعوا، ورأى مروان أن الناس قد تعجلوا إلى قتال العدو، وأن في يده اليمنى القناة (2)، وفي يده اليسرى الترس، وإنه ليشير بيده إلى الناس أن كما أنتم. فلما التقى مروان ومزدانة، اقتتل الناس إذ ذاك قتالا شديدا، ثم انهزم مزدانة ومنح الله مروان أكتافهم، فقتلوا قتلة الفناء، فكانت تلك الغزوة