عبد الملك إليه: مالك ولسعيد، وما كان علينا منه أمر نكرهه، وما كان حاجتك أن تكشف عن سعيد، أو تأخذه ببيعة، ما كنا نخاف من سعيد؟ فأما إذ قد ظهر ذلك وانتشر أمره في الناس، فادعه إلى البيعة، فإن أبى فاجلده مئة سوط: أو احلق رأسه ولحيته وألبسه ثيابا من شعر وأوقفه في السوق على الناس لكيما لا يجترئ علينا أحد غيره. قال: فلما وصل الكتاب أرسل إليه هشام، فانطلق سعيد إليه، فلما أتاه دعاه إلى البيعة، فأبى أن يجيبه، فألبسه ثيابا من شعر، وجرده وجلده مئة سوط، وحلق رأسه ولحيته، وأوقفه في السوق، وقال لو أعلم أنه ليس إلا هذا ما نزعت ثيابي طائعا ولا أجبت إلى ذلك قال بعض الأيليين (1) الذين كانوا في الشرطة بالمدينة: لما علمنا أنه لا يلبس الثياب طائعا قلنا له: يا أبا محمد إنه القتل فاستر بها عورتك قال فلبس فلما تبين له أنا خدعناه قال: يا معلجة (2) أهل أيلة، لولا أني ظننت أنه القتل ما لبسته. قال: فكان هشام بن إسماعيل بعد ذلك إذا خطب الناس يوم الجمعة تحول إليه سعيد بن المسيب، أي يقبل عليه بوجهه ما دام يذكر الله، حي إذا وقع في مدح عبد الملك وغيره أعرض سعيد عنه بوجهه فلما فطن هشام لذلك، أمر حرسيا يحصب وجه سعيد إذا تحول عنه ففعل ذلك به، فقال سعيد: إنما هي ثلاث، وأشار بيده. قال: فما مر به إلا ثلاثة أشهر حتى عزل هشام.
موت عبد الملك وبيعة الوليد قال: وذكروا أن عبد الملك بن مروان لما حضرته الوفاة، جمع بنيه وقال لهم: اتقوا الله ربكم، وأصلحوا ذات بينكم، وليجل صغيركم كبيركم، وكبيركم صغيركم، انظروا أخاكم مسلمة، فاستوصوا به خيرا، فإنه شيخكم ومجنكم الذي به تستجنون، وسيفكم الذي به تضربون، أوصيكم به خيرا، وانظروا ابن عمكم عمر بن عبد العزيز، فاصدروا عن رأيه، ولا تخلوا عن مشورته اتخذوه صاحبا لا تجفوه، ووزيرا لا تعصوه، فإنه من علمتم فضله ودينه، وذكاء عقله، فاستعينوا به على كل مهم، وشاوروه في كل حادث. قال: ثم دخل عليه خالد وعبد الرحمن ابنا يزيد بن معاوية بن أبي سفيان. فقال لهما: أتحبان أن أسألكما بيعة الوليد وسليمان؟ فقالا: يا أمير المؤمنين، معاذ الله من ذلك. قال: فأومأ بيده إلى مصلى كان مضطجعا عليه، فأخرج من تحته سيفا مصلتا. فقال لهما: والله لو قلتما غير ذلك لضربت أعناقكما بهذا السيف، ثم خرجا من عنده، ودخل عليه عمر بن عبد العزيز. فقال عبد الملك: يا أبا حفص استوص خيرا بأخويك