الامامة والسياسة - ابن قتيبة الدينوري ، تحقيق الزيني - ج ٢ - الصفحة ١٦٣
وكان إصغاء الحاكم إلى صاحب المجلس الأرفع أكثر، وإليه أميل. ولكن تقومان من مجلسكما هذا الذي قد استعليتما فيه، فتجلسا بين يدي، ثم أسمع منكما قولكما، وأقضي لمن رأيت الحق له، ثم لا أبالي على من دار منكما. فقال الرشيد: صدقت وبررت في قولك، فقام الرشيد، وقام عمرو بن مسعدة، حتى صارا بين يديه جالسين. فلما جلسا بين يديه ذهب الرشيد ليتكلم.
فقال له القاضي: لو تركت هذا يتكلم، فإنه أسن منك. فقال الرشيد. إن الحق أسن منه. فقال القاضي: بلى، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لحويصة ومحيصة (1): كبر كبر. يريد ليتكلم عمكما، لأنه أسن منكما وأكبر، فتكلم عمرو ابن مسعدة، ثم تكلم الرشيد، وتنازعا الخصومة، وترافعا الحجة بينهما، حتى رأى القاضي أن الحق لعمرو، فقضى له به على الرشيد، فلما قضى عليه قال لهما: عودا إلى مجلسكما، فعادا، فعجب الرشيد من قضائه وعدله واحتفاظه وقلة ميله، فالتفت إلى عمرو فقال: إن هذا أحق بقضاء القضاة من الذي استقضيناه. فقال عمرو: بلى والله، ولكن القوم أحق بقاضيهم إلا أن يأذنوا فيه، فدعا الرشيد برجال مكة، فأدخلهم على نفسه، وأجزل لهم العطاء، وأحسن على قاضيهم الثناء. ثم قال لهم: هل لكم أن تأذنوا أوليه قضاء القضاة، فيسير إلى العراق يقضي بينهم؟ فقالوا: نعم يا أمير المؤمنين أنت أحق به نؤثرك على أنفسنا. فأرسل إليه الرشيد فقال:
إني قد وليتك قضاء القضاة، فسر إلى العراق لتقضي بينهم، وتولي القضاة في البلدان والأمصار من تحت يدك، وتوليتهم إليك، وعزلهم عليك. فقال القاضي: إن يجبرنى أمير المؤمنين على ذلك فسمعا وطاعة، وإن يخيرني في نفسي اخترت العافية، وجوار هذا البيت الحرام. فقال الرشيد: ما ينبغي لي أن أدع المسلمين وفيهم مثلك، لا أوليه عليهم، فخذ على نفسك فإني مصبح على ظهر إن شاء الله. فخرج الرشيد ومعه الفتى حتى قدم العراق، فولاه القضاء، وجعل إليه قضاء القضاة، فلم يزل بها قاضيا حتى توفي، وذلك بعد ثلاثة أعوام من توليته. فلما توفي اغتم الرشيد وشق عليه، فجعل الناس يعزونه فيه علما منهم بما بلغ منه الغم عليه. فسأل عن قاض يوليه قاضي القضاة في العراق بعد ذلك، فرفعت إليه تسمية عشرة رجال من خيار الناس وعلمائهم وأشرافهم، فلما رفعت إليه التسمية، أمر بهم فأدخلوا عليه رجلا رجلا، ليتفرس فيهم من يوليه القضاء، فنظر إلى رجل منهم توسم فيه الخير والعلم فأمر به فقدم إليه. فلما صار بين يديه، قال له: ما اسمك؟ قال: معشوق: قال: فما كنيتك؟ قال: أبو الهوى. قال: فما نقش خاتمك؟ قال:
دام الحب دام، وعلى الله التمام. فقال له: قم لا قمت. ثم دعا بالآخر، وكان قد تفرس فيه ما تفرس في صاحبه فقال له: ما نقش خاتمك؟ فقال: " ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين " فقال

(1) هما حويصة ومحيصة ابنا مسعود الصحابيان.
(١٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 158 159 160 161 162 163 164 165 166 167 168 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 ذكر اختلاف الرواة في وقعة الحرة وخبر يزيد 3
2 ولاية الوليد المدينة وخروج الحسين بن علي 4
3 قتال عمرو بن سعيد الحسين وقتله 5
4 قدوم من أسر من آل علي على يزيد 6
5 إخراج بني أمية عن المدينة، وذكر قتال أهل الحرة 7
6 حرب ابن الزبير رضي الله عنهما 9
7 خلاف معاوية بن يزيد 10
8 غلبة ابن الزبير رضي الله عنهما وظهوره 11
9 حريق الكعبة - اختلاف أهل الشام على ابن الزبير 12
10 بيعة أهل الشام مروان بن الحكم - موت مروان بن الحكم 13
11 بيعة عبد الملك بن مروان وولايته 14
12 غلبة ابن الزبير على العراقيين وبيعتهم 15
13 بيعة أهل الكوفة لابن الزبير وخروج ابن زياد عنهما 16
14 قتال المختار عمرو بن سعد 19
15 قتل مصعب بن الزبير المختار بن أبي عبيد الله - خلع ابن الزبير 20
16 قتل عبد الملك عمرو بن سعيد 21
17 مسير عبد الملك إلى العراق 22
18 قتل مصعب بن الزبير - ذكر حرب ابن الزبير وقتله 23
19 ولاية الحجاج على العراقيين 25
20 خروج ابن الأشعث على الحجاج 26
21 حرب الحجاج مع ابن الأشعث وقتله 29
22 أسر عامر بن سعيد الشعبي 39
23 انهزام ابن الأشعث وقيام عبد الرحمن بن عياش 41
24 ذكر قتل سعيد بن جبير 42
25 ذكر بيعة الوليد وسليمان بن عبد الملك 44
26 موت عبد الملك وبيعة الوليد 46
27 تولية موسى بن نصير البصرة 48
28 دخول موسى بن نصير على عبد الملك بن مروان - تولية موسى بن نصير على إفريقية 49
29 خطبة موسى بن نصير رحمه الله - دخول موسى بن نصير إفريقية 50
30 خطبة موسى بإفريقية 51
31 فتح زعوان - قدوم كتاب الفتح على عبد العزيز بن مروان - إنكار عبد الملك تولية موسى بن نصير 52
32 جوابه - كتاب عبد العزيز بالفتح إلى عبد الملك - جوابه 53
33 فتح هوارة وزناته وكتامة - فتح صنهاجة 54
34 فتح سجوما 55
35 قدوم الفتح على عبد الملك بن مروان 56
36 غزوة موسى في البحر 57
37 غزوة السوس الأقصى 58
38 قدوم الفتوحات على الوليد بن عبد الملك - فتح قلعة أرساف 59
39 فتح الأندلس 60
40 اتهام الوليد موسى بالخلع - دخول وفد موسى على الوليد بن عبد الملك 62
41 ذكر ما وجد موسى في البيت الذي وجد فيه المائدة مع صور العرب - ذكر ما أفاء الله عليهم 63
42 غزوة موسى بن نصير البشكنس والإفرنج 64
43 خروج موسى بن نصير من الأندلس - قدوم موسى إفريقية 66
44 قدوم موسى إلى مصر - قدوم موسى على الوليد رحمهما الله 68
45 خلافة سليمان بن عبد الملك وما صنع بموسى بن نصير 69
46 عدة موالي موسى بن نصير 70
47 ذكر ما رآه موسى بالمغرب من العجائب 71
48 تولية سليمان بن عبد الملك أخاه مسلمة وما أشار به موسى عليه 72
49 سؤال سليمان موسى عن المغرب 73
50 ذكر قدوم موسى على الوليد 74
51 ذكر اختلاف الناقلين في صنع سليمان بموسى 77
52 نسخة القضية 77
53 ذكر يد موسى إلى المهلب 78
54 ذكر قتل عبد العزيز بن موسى بالأندلس 79
55 قدوم رأس عبد العزيز بن موسى عن أخباره وأفعاله 83
56 ذكر ولاة الأندلس بعد موسى بن نصير - ذكر حج سليمان مع عمر بن عبد العزيز 86
57 ما قال طاووس اليماني لسليمان بمكة 87
58 ذكر وفاة سليمان واستخلافه عمر بن عبد العزيز 92
59 أيام عمر بن عبد العزيز 96
60 ذكر قدوم جرير بن الخطفى على عمر بن عبد العزيز 97
61 وفاة الرشيد والمأمون خارج العراق - اتصال أشرار العراق بالأمين وإيغار صدره على أخيه الأمين 174
62 دخول المأمون قصر الخلافة وحبسه أخاه الأمين - هروب الأمين من السجن وقتله - تمام الكتاب 175