وأخبرني سهل بن سعد الساعدي: أنه رأى عمر بن الخطاب وابن عمر يسلمان من الصلاة كذلك. فقال الزهري: اعلم ما تحدث به أيها الرجل، فإن الحديث عن رسول الله صعب شديد إلا بالتثبت واليقين. قال أبو حازم: قد علمته ورويته قبل أن تطلع أضراسك في رأسك.
فالتفت الزهري إلى سليمان قال: أصلحك الله. إن هذا الحديث ما سمعت به من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم قط، فضحك أبو حازم. ثم قال: يا زهري، أحطت بحديث رسول الله كله؟ قال: لا. قال: فثلاثة أرباعه؟ قال: لا، قال: فثلثه؟ فقال: أراني ذلك قد رويت وبلغني.
فقال أبو حازم: فهذا من الثلث الذي لم يبلغك، وبقي عليك سماعه. فقال سليمان: ما ظلمك من حاجك، ثم قام مأذونا له. فأتبعه سليمان بصره، ينظر إليه، ويعجب به. ثم التفت إلى جلسائه فقال: ما كنت أظن بقي في الدنيا مثل هذا. قال: ثم انصرف سليمان من الحج قافلا إلى الشام.
وذكروا أن غلمانا لسليمان نازعوا غلمانا لعمر بن عبد العزيز، فتعدى غلمان عمر على غلمان سليمان، فرفع ذلك إلى سليمان، وأغرى بعمر. فقال له سليمان: ألا تنصف غلماني، وهو كالمغضب مما فعل بهم؟ فقال عمر: ما علمت هذا قبل هذا الوقت، وما سمعت هذا إلا في مقامي هذا.
فقال سليمان: كذبت لقد علمته. فقال عمر: كذبت والله ما كذبت ولا تعمدت كذبا منذ شددت مئزري على نفسي، وإن في الأرض عن مجلسك لسعة ثم خرج عمر، فتجهز وهو يريد مصر ليسكنها، فبلغ ذلك سليمان، فندم على ما كان من قوله، وأرسل إليه أن لا يبرح، وأمر رجلا يقول له: لا تعاقب أمير المؤمنين على قوله، ولا تذكر له هذا، فترك عمر الخروج وجلس، وأقل الاختلاف إلى سليمان.
ذكر وفاة سليمان واستخلافه عمر بن عبد العزيز قال: وذكروا أن خالد بن أبي عمران أخبرهم، وكان قد أدرك القوم. قال: مرض سليمان مرضه الذي مات فيه، وذلك في شهر صفر سنة تسع وتسعين، فدخل عليه عمر بن عبد العزيز عائدا، فدعا سليمان بنين له صغارا، فقلدهم السيوف، فوقعوا في الأرض. فقال سليمان:
قد أفلح من كان له بنون كبار. فقال عمر: ليس هكذا قال الله. فقال سليمان: وكيف قال الله؟ فقال عمر: قال الله تعالى (قد أفلح من تزكى، وذكر اسم ربه فصلى)، فقال سليمان:
إني أريد أن أعهد إليك، وأوليك أمور الناس بعدي. فقال عمر: لا حاجة لي بذلك. فقال سليمان: ولم ذلك؟ فقال: لأني لا أريد أخذ أموالهم، فإذا لم أرد أخذ أموالهم، فما الذي يدعوني إلى ضرب ظهورهم؟ فقال سليمان: لا بد من هذا. فقال عمر: ولم ذلك؟ ولك في ولد عبد الملك