حويجاجتك كلها يا أعرابي؟ فقال نعم، وبقيت حاجتي العظمى. فقال له الرشيد. ارفعها تقض فقال أقبل رأسك يا أمير المؤمنين، فقال له الرشيد: هذا لا سبيل إليه. فقال الأعرابي:
أتمنعني حقا هو لي، وتدفعني عما بذلت لي أمير المؤمنين! فقال الرشيد؟ هذا الأمر لا يكون يا أعرابي، ولا سبيل إلى مثل هذا. فقال الأعرابي: لا بد من أن أصل إلى حقي، إلا أن أغصبه: فقال له الرشيد: يا أعرابي أشتري منك هذا الحق الذي وجب لك: فقال له الأعرابي: هذا الحق مما لا يشترى، وهل في الأرض من المال ما يكون ثمنا لهذا أو عوضا منه؟
لا والذي نفسي بيده ما في الدنيا صفراء ولا بيضاء يشترى بها هذا. فقال الرشيد: تبيعه ببعض ما تراه من الثمن، فإنه لا يكون ولا يتوصل إليه. فقال له الأعرابي: فإذا قد أبيت فأعطني مما أعطاك الله، فأمر له بمئة ألف دينار، فأتى بها إليه. فقال الأعرابي: ما هذه؟ فقيل له:
هذه مئة ألف دينار تأخذها. فقال الأعرابي: هي للغرماء علي: وهم أولى بها مني، فضحك الرشيد، ثم أمر له بمئة ألف أخرى. فقال: ما هذه؟ فقيل له: مئة ألف ثانية، والأولى للغرماء، وهذه لك. فقال الأعرابي: هذه لضعفاء أهلي، يصلهم بها أمير المؤمنين، فبم أوسع على نفسي؟ فأمر له الرشيد بمئة ألف ثالثة. فقيل له: هذه مئة ألف ثالثة، توسع بها على نفسك في معيشتك، أرضيت يا أعرابي؟ فقال: نعم رضيت، فرضي الله عنك يا أمير المؤمنين، وابني فضالة يقرأ السلام عليك، ويسألك مئة ألف، يستعين بها في نكاحه، ويتزين بها في دنياه، وإنه قد جمع القرآن وعرف شرائعه وأحكامه، وعلم ناسخه ومنسوخه، وتفنن في ضروب من العلم، وأحكم أنواع الأدب، وقد جمع الدواوين والكتب، وتبحر في فهم الحديث والأثر، قد أخذ من من كل علم أهذبه ومن كل ضرب أمحضه إلى لب لبيب، وعقل رصين، وعلم ثابت، ونظر عجيب، وفضل ودين، يصوم النهار كله، ويقوم الليل أكثره، وقد صار في كثير من الأهل والعيال، وعدد من البنين والصبيان. فقال الرشيد: أو لست تذكر يا أعرابي أنه يريد الاستعانة على النكاح، والتوسع في المعاش، ثم أراك تصفه بكثرة العيال، وعدد البنين والصبيان؟ فقال الأعرابي: يا أمير المؤمنين إنه ذو ثلاث نسوة من حرائر النساء، وتسعة من سرائر الإماء، وهو ذو خمسة من الولد من كل حرة، وذو سبع بنات من كل أمة، ويبتغي نكاح الرابعة الحرة، استتماما لما أمر الله به في التنزيل المحكم، وأباح في كتابه الناطق، بكلامه الصادق. فقال الرشيد: يا أعرابي لقد سألت كثيرا، فهلا سألت مئة ألف درهم فتعطاها. قال الأعرابي: فأعطه يا أمير المؤمنين تسعين ألف دينار، واحطط عنك عشرة آلاف دينار. فقال الرشيد: والله لقد سألت كثير، وتحططت قليلا. قال الأعرابي: إنما سألتك يا أمير المؤمنين على قدرك، وحططت على قدري، فاختر ما شئت.
فقال الرشيد: يا أعرابي إنما تريد مغالبتي، لا غلبتني اليوم، فأمر له بمئة ألف دينار ذهبا.