المقاتلة، وجاءه جند أهل المدينة، وأقبل ابن نمير حتى نزل على مكة، وأرسل خيلا فأخذت أسفلها، ونصب عليها العرادات والمجانيق، وفرض على أصحابه عشرة آلاف صخرة، في كل يوم يرمونها بها. فقال الناس: انظروه لئلا يصيبه ما أصاب أصحاب الفيل. قال عبد الله ابن عمرو بن العاص، وكان بمكة معتمرا، قدم من الطائف: لا تظن ذلك، لو كان كافرا بها لعوقب دونها، فأما إذا كان مؤمنا بها فسيبتلى فيها، فكان كما قال، وحاصروهم لعشر ليال بقين من المحرم، سنة أربع وستين، فحاصروهم بقية المحرم، وصفر، وشهري ربيع، يغدون على القتال ويروحون، حتى جاءهم موت يزيد بن معاوية، فأرسل الحصين بن نمير إلى ابن الزبير، أن ائذن لنا نطوف بالبيت، وننصرف عنكم، فقد مات صاحبنا. فقال ابن الزبير: وهل تركتم من البيت إلا مدرة؟ وكانت المجانيق قد أصابت ناحية من البيت الشريف فهدمته، مع الحريق الذي أصابه، قال: فمنعهم أن يطوفوا بالبيت. فارتحل الحصين، حتى إذا كان بعسفان تفرقوا، وتبعهم الناس يأخذونهم، حتى إن كانت الراعية في غنمها لتأتي بالرجل منهم مربوطا، فيبعث بهم إلى المدينة، وأصاب منهم أهل المدينة حين مروا بهم ناسا كثيرا، فحبسوا بالمدينة، حتى قدم مصعب بن الزبير عليهم من عند عبد الله بن الزبير، فأخرجهم إلى الحرة، فضرب أعناقهم، وكانوا أربع مئة وأكثر، قال: وانصرف ذلك الجيش إلى الشام مفلولا، وبايع أهل المدينة لابن الزبير بالخلافة، وكان ابن عباس بمكة يومئذ، فخرج إلى الطائف، فهلك بها سنة سبعين، وهو يومئذ ابن أربعة وسبعين سنة رضي الله عنه.
خلافة معاوية بن يزيد قال: فلما مات يزيد بن معاوية، استخلف ابنه معاوية بن يزيد، وهو يومئذ ابن ثماني عشرة سنة، فلبث واليا شهرين وليالي محجوبا لا يرى، ثم خرج بعد ذلك، قال: فجمع الناس، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، إني نظرت بعدكم فيما صار إلي من أمركم، وقلدته من ولايتكم، فوجدت ذلك لا يسعني فيما بيني وبين ربي، أن أتقدم على قوم فيهم من هو خير مني، وأحقهم بذلك، وأقوى على ما قلدته، فاختاروا مني إحدى خصلتين: إما أن أخرج منها، وأستخلف عليكم من أراه لكم رضا ومقنعا، ولكم الله علي ألا آلوكم نصحا في الدين والدنيا، وإما أن تختاروا لأنفسكم وتخرجوني منها. قال: فأنف الناس من قوله، وأبوا من ذلك، وخافت بنو أمية أن تزول الخلافة منهم، فقالوا: ننظر في ذلك يا أمير المؤمنين ونستخير الله فأمهلنا. قال لكم ذلك، وعجلوا علي. قال فلم يلبثوا بعدها إلا أياما حتى