الأمير أصلحه الله يحمل على الأدهم (1) والأشقر. قال الحجاج: إنه لحديد.
قال الغضبان: لأن يكون حديدا (2) خير من أن يكون بليدا. قال الحجاج:
اذهبوا به إلى السجن، قال الغضبان: (فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون).
فاستمر في السجن إلى أن بنى الحجاج خضراء واسط، فقال لجلسائه: كيف ترون هذه القبة؟ قالوا: ما رأينا مثلها قط. قال الحجاج: أما إن لها عيبا فما هو؟ قالوا: ما نرى بها عيبا. قال: سأبعث إلى من يخبرني به، فبعث، فأقبل بالغضبان وهو يرسف في قيوده، فلما مثل بين يديه. قال له يا غضبان: كيف قبتي هذه؟ قال: أصلح الله الأمير نعمت القبة! حسنة مستوية! قال: أخبرني بعيبها؟ قال: بنيتها في غير بلدك، لا يسكنها ولدك، ومع ذلك فإنه لا يبقى بناؤها، ولا يدوم عمرانها، وما لا يبقى ولا يدوم، فكأنه لم يكن. قال الحجاج:
صدق، ردوه إلى السجن. فقال الغضبان: أصلح الله الأمير، قد أكلني الحديد، وأوهن ساقي القيود، وما أطيق المشي. قال: احملوه. فلما حمل على الأيدي قال: (سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين) قال: أنزلوه، فلما أنزلوه. قال: (رب أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين).
قال الحجاج: جروه. قال الغضبان وهو يجر: (بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم). قال الحجاج: اضربوا به الأرض، فقال: (منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى) فضحك الحجاج حتى استلقى على قفاه ثم قال: ويحكم، قد غلبني والله هذا الخبيث، أطلقوه إلى صفحي عنه. قال الغضبان: (فاصفح عنهم وقل سلام). فنجا من شره بإذن الله، وكانت براءته فيما انطلق على لسانه.
حرب الحجاج مع ابن الأشعث وقتله قال: وذكروا أن الحجاج لما قدم العراق أميرا، زوج ابنه محمدا ميمونة بنت محمد بن الأشعث ابن قيس الكندي، رغبة في شرفها، مع ما كانت عليه من جمالها، وفضلها في جميع حالاتها، وأراد من ذلك، استمالة جميع أهلها وقومها إلى مصافاته، ليكونوا له يدا على من ناوأه، وكان لها أخ يقال له عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث الكندي، له أبهة في نفسه. وكان جميلا بهيا منطقيا، مع ما كان له من التقدم والشرف، فازدهاه ذلك وملأه كبرا وفخرا وتطاولا، فألزمه بنفسه، وألحقه بأفاضل أصحابه وخاصته وأهل سره، وأجرى عليه العطايا الواسعة،