القاضي؟ قلت: والله ما أدري. قال: فلست بكاتب قاض، فأيهم أنت؟ فقلت: كاتب شرطة.
قال: فما تقول في رجل وثب على رجل، فشجه شجة موضحة (1)، فوثب عليه المشجوج فشجه شجة مأمومة (2)، كيف كنت تقضي بينهما؟ فقلت: ما أعلم. قال: فلست بكاتب شرطة.
فقلت: أصلحك الله: قد سألت ففسر لي ما ذكرت. فقال: أما الذي تزوجت أمه، فتكتب إليه: أما بعد، فإن أحكام الله تجري بغير محاب المخلوقين، والله يختار للعباد، فخار الله لك في قبضها إليه، فإن القبر أكرم لها، والسلام. وأما البراح: فتضرب واحدا وثلثا في مساحة العطوف، فمن ثم بابه. وأما أحمد وأحمد: فتكتب حلية المقطوع الشفة العليا: أحمد الأعلم، والمقطوع الشفة السفلى: أحمد الأشرم. وأما المرأتان فيوزن لبن هذه ولبن هذه، فأيهما كان أخف، فهي صاحبة البنت. وأما صاحب الشجة: فإن في الموضحة خمسا من الإبل، وفي المأمومة ثلاثا وثلاثين وثلثا، فيرد صاحب المأمومة ثمانية وعشرين وثلثا. فقلت: أصلحك الله؟ فما أتى بك هاهنا؟ قال: ابن عم لي كان عاملا على ناحية، فخرجت إليه، فألفيته معزولا فقطع بي، فأنا خارج أضطرب في المعاش. قلت: ألست قد ذكرت أنك حائك؟ فقال: جعلت فداك: إنما أحوك الكلام، ولست بحائك الثياب. قال: فدعوت المزين فأخذ من شعره، وأدخل الحمام وطرحت عليه من ثيابي، فلما صرت إلى الأهواز كلمت فيه الرحجي، فأعطاه خمسة آلاف درهم، ورجع معي، فلما صرت إلى أمير المؤمنين ألفيته قد توقد علي نارا، وامتلأ غيظا، وقد حلف بالمشي إلى الكعبة أن ينالني منه يوم سوء، لطول مقامي، واشتغالي عنه بالرجل، فلما دخلت عليه قال: ما كان من خبرك في طريقك، وما الذي شغلك بعد أمري لك أن لا تلبث ببغداد إلا يوما واحدا، ويمينك على ذلك؟ فأخبرته خبري، حتى حدثته بحديث الرجل، وقصتي معه، قال: لقد جئتني بأعظم الفوائد، فلأي شئ يصلح ويحك؟ قلت: هو والله يا أمير المؤمنين أعلم الناس بالفقه والعلم، والحلال والحرام، والهندسة والفلسفة، والحساب والكتابة. فولاه هارون البناء والمرمة (3)، والمهم من الأمور، وأولاه على عمال الخراج يتقاضاهم ويحاسبهم، فكنت والله ألقاه في المواكب العظيمة، فينحط عن دابته ساعيا، حتى يقبل على يدي يقبلها، فأحلف عليه، فيقول: سبحان الله، إنما هذه نعمتك، وبك نلتها، ويقول: