يحتاج أن يكون عالما بالشروط والأحكام، عارفا بالناسخ والمنسوخ من القرآن، والحلال، من الحرام، والفروع والمواريث. وكاتب شرطة، يحتاج أن يكون عالما بالجروح والقصاص والديات، فقيها في أحكام الدماء، عارفا بدعوى التعدي. وكاتب خراج، يحتاج أن يعرف الزرع والمساحة وضروب الحساب، فأيهم أنت أعزك الله؟ قلت: فوالله ما قضى كلامه حتى صار أعظم الناس في نفسي وأحبهم إلي، وصار كلامه عندي أشهى من الماء البارد العذب على الظمآن.
فقلت له: أصلحك الله، تقدم إلي، وادن مني أكلمك، وأقعدك المقعد الذي يقعده مثلك، فلولا أن من البر ما يكون عقوقا لأقعدتك مقعدي هذا. قال: مقعدي الذي أنا به أولى بي.
فقلت: أمتع الله بك، أنا كاتب رسائل. قال: فأخبرني لو كان لك صديق تكتب إليه في المحبوب والمكروه، ويكتب إليك في جميع الأسباب، فتزوجت أمه، كيف كنت تكتب إليه؟
تهنئه أم تعزيه؟ قلت: والله ما أدري كيف الوجه في هذا وهو بالتعزية أولى منه بالتهنئة. قال:
صدقت، كيف كنت تعزيه! فقلت: والله ما أقف على ما تقول. قال: فلست بكاتب رسائل، فأيهم أنت؟ قلت: كاتب خراج. قال: فما تقول أصلحك الله، وقد ولاك السلطان عملا فبثثت عمالك فيه، فجاء قوم يتظلمون من بعض عمالك، فأردت أن تنظر في أمرهم، وتنصفهم إذا كنت تحب العدل، وتؤثر حسن الأحدوثة وطيب الذكر، وكان لأحدهم براح، فأردت مساحته، كيف كنت تمسحه؟ قلت: أضرب العطوف في العمود، وأنظر إلى مقدار ذلك. قال: إذا تظلم الرجل. قلت: فأمسح العمود على حدته. قال: إذا تظلم السلطان. قلت: والله ما أدري.
قال: لست بكاتب خراج، فأيهم أنت؟ قلت: كاتب جند. قال: فما تقول في رجلين اسم كل واحد منهما أحمد، أحدهما مقطوع الشفة العليا، والآخر مقطوع الشفة السفلى، كيف كنت تنعتهما وتحليهما؟ فقلت: كنت أكتب أحمد الأعلم (1)، وأحمد الأعلم. قال: كيف يكون هذا ورزق هذا مئتا درهم، ورزق ذاك ألف درهم، فيقبض هذا عطاء ذاك، وذاك عطاء هذا، فتظلم صاحب الألف؟ قلت: والله ما أدري: قال: فلست بكاتب جند، فأيهم أنت؟ قلت:
كاتب قاض. قال: فما تقول في رجل خلف سرية (2) وزوجة، وكان للزوجة بنت، وللسرية ابن، فلما كان تلك الليلة التي مات فيها الرجل، أخذت الحرة ابن السرية فادعته، وجعلت ابنتها مكانه، فتنازعتا فيه، فقالت هذه ابني، وقالت هذه ابني، كيف كنت تحكم بينهما وأنت خليفة