من حجارة المنجنيق وهو يمشي، فأصاب قفاه، فسقط، فما درى أهل الشام أنه هو حتى سمعوا جارية تبكي وتقول: وا أمير المؤمنين، فاحتزوا رأسه، فجاءوا به إلى الحجاج، وقتل معه عبد الله بن صفوان بن أمية، وعمارة بن عمرو بن حزم، ثم بعث برؤوسهم إلى عبد الملك، وقتل لسبع عشرة ليلة مضين من جمادي الأولى، سنة ثلاث وسبعين.
قال أبو معشر: ثم أقام الحجاج بالمدينة عاملا عليها وعلى مكة والطائف ثلاث سنين، يسير بسيرته فيما يقولون. قال: فلما مات بشر بن مروان، وكان على الكوفة والبصرة، كتب إليه عبد الملك: أن سر إلى العراقيين، واحتل لقتلهم، فإنه قد بلغني عنهم ما أكره. واستعمل عبد الملك على المدينة يحيى بن حكيم بن أبي العاص.
ولاية الحجاج على العراقيين قال: وذكروا أن عبد الملك لما كتب إلى الحجاج يأمره بالمسير إلى العراقيين ويحتال لقتلهم، توجه ومعه ألفا رجل من مقاتلة أهل الشام وحماتهم، وأربعة آلاف من أخلاط الناس وتقدم بألفي رجل، وتحرى دخول البصرة يوم الجمعة في حين أوان الصلاة، فلما دنا من البصرة، أمرهم أن يتفرقوا على أبواب المسجد، على كل باب مئة رجل بأسيافهم تحت أرديتهم وعهد إليهم أن إذا سمعتم الجلبة في داخل المسجد، والواقعة فيهم، فلا يخرجن خارج من باب المسجد حتى يسبقه رأسه إلى الأرض وكان المسجد له ثمانية عشر بابا، يدخل منها إليه.
فافترق القوم عن الحجاج فبدروا إلى الأبواب، فجلسوا عندها مرتدين ينتظرون الصلاة:
ودخل الحجاج وبين يديه مئة رجل، وخلفه مئة كل رجل منهم مرتد بردائه، وسيفه قد أفضى به إلى داخل إزاره. فقال لهم: إني إذا دخلت فسأكلم القوم في خطبتي، وسيحصبونني، فإذا رأيتموني قد وضعت عمامتي على ركبتي، فضعوا أسيافكم، واستعينوا بالله، واصبروا إن الله مع الصابرين، فلما دخل المسجد، وقد حانت الصلاة، صعد المنبر فحمد الله ثم قال: أيها الناس إن أمير المؤمنين عبد الملك أمير استخلفه الله عز وجل في بلاده، وارتضاه إماما على عباده، وقد ولاني مصركم، وقسمة فيئكم، وأمرني بإنصاف مظلومكم، وإمضاء الحكم على ظالمكم، وصرف الثواب إلى المحسن البرئ، والعقاب إلى العاصي المسيئ، وأنا متبع فيكم أمره، ومنفذ عليكم عهده، وأرجو بذلك من الله عز وجل المجازاة، ومن خليفته المكافأة وأخبركم أنه قلدني بسيفين حين توليته إياي عليكم:
سيف رحمة، وسيف عذاب ونقمة، فأما سيف الرحمة فسقط مني في الطريق، وأما سيف