النقمة فهو هذا. فحصبه الناس. فلما أكثروا عليه خلع عمامته، فوضعها على ركبته، فجعلت السيوف تبري الرقاب، فلما سمع الخارجون الكائنون على الأبواب وقيعة الداخلين، ورأوا تسارع الناس إلى الخروج، تلقوهم بالسيوف، فردعوا الناس إلى جوف المسجد، ولم يتركوا خارجا يخرج، فقتل منهم بضعة وسبعين ألفا، حتى سالت الدماء إلى باب المسجد، وإلى السكك.
قال أبو معشر: لما قدم الحجاج البصرة، صعد المنبر، وهو معتجر بعمامته متقلد سيفه وقوسه. قال: فنعس على المنبر، وكان قد أحيا الليل، ثم تكلم بكلام فحصبوه، فرفع رأسه ثم قال: إني أرى رءوسا قد أينعت وحان قطافها. فهابوه وكفوا، ثم كلمهم فحصبوه وأكثروا، فأمر بهم جندا من أهل الشام، وكانوا قد أحاطوا به من حوله ومن حول أبواب المسجد. قال: فلما فرغ منهم وأحكم شأنه فيهم، بعث عبد الرحمن بن محمد ابن الأشعث إلى سجستان، عاملا ومعه جيش. فكتب إليه الحجاج أن يقاتل حصن كذا وكذا، فكتب إلى الحجاج: إني لا أرى ذلك صوابا، إن الشاهد يرى ما لا يرى الغائب. فكتب إليه الحجاج: أنا الشاهد، وأنت الغائب، فانظر ما كتبت به إليك، فامض له، والسلام.
خروج ابن الأشعث على الحجاج قال: وذكروا أن عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث لما خرج على الحجاج جمع أصحابه، وفيهم عبد الرحمن بن ربيعة بن الحارث بن نوفل، وبنو عون بن عبد الله، وعمر بن موسى ابن معمر بن عثمان بن عمرة، وفيهم محمد بن سعد بن أبي وقاص. فقال لهم: ما ترون؟
فقالوا: نحن معك، فاخلع عدو الله وعدو رسوله، فإن خلعه من أفضل أعمال البر، فخلعه وأظهر خلعه. فلما أظهر ذلك قدم عليهم سعيد بن جبير، فقالوا له: إنا قد حبسنا أنفسنا عليك، فما الرأي؟ قال: الرأي أن تكفوا عما تريدون، فإن الخلع فيه الفتنة، والفتنة فيها سفك الدماء، واستباحة الحرم، وذهاب الدين والدنيا. فقالوا. إنه الحجاج وقد فعل ما فعل، فذكروا أشياء، ولم يزالوا به حتى سار معهم وهو كاره. قال.
وانتهى الخبر إلى الحجاج، فقيل له: إن عبد الرحمن قد خلعك ومن معه فقال: إن معه سعيد بن جبير، وأنا أعلم أن سعيدا لا يخرج، وإن أرادوا ذلك فسيكفهم عنه. فقيل له:
إنه رام ذلك، ثم لم يزالوا به حتى فتنوه، وسار معهم. فبعث الحجاج الغضبان الشيباني ليأتيه بخبر عبد الرحمن بن الأشعث من كرمان، وتقدم إليه أن لا يكتمه من أمره شيثا،