ما قال أبو جعفر لعبد العزيز بن أبي داود قال: وذكروا أن أبا جعفر لما دخل في الطواف بالبيت لقي عبد العزيز بن أبي دواد في الطواف، فقبض على يده، ثم قال له: أتعرفني؟ قال: لا. إلا أن قبضتك قبضة جبار.
فقال له: أنا أبو جعفر أمير المؤمنين، فسلني من حوائجك ما شئت أقضها. قال: أسألك برب هذا البيت أن لا ترسل إلي بشئ حتى آتيك طوعا. فقال له أبو جعفر: ذلك لك، فأقبل يمشي بمشيته في طوافه، وكان شيخا كبيرا ضعيفا. فتأنف بقربه، وثقل عليه كلامه.
فقال: أسألك بحرمة هذا البيت إلا تنحيت عني، فتنحى عنه أبو جعفر وخلي سبيله.
وكان عبد العزيز بن أبي دواد هذا لا يرفع رأسه إلى السماء، تخشعا لله، فأقام كذلك أربعين سنة.
قدوم المهدي إلى المدينة قال: وذكروا أن مالك بن أنس لما أخذ في تدوين كتبه، ووضع علمه قدم عليه المهدي بن أبي جعفر، فسأله عما صنع فيما أمره به أبو جعفر، فأتاه بالكتب وهي كتب الموطأ، فأمر المهدي بانتساخها، وقرئت على مالك. فلما أتم قراءتها: أمر له بأربعة آلاف دينار، ولابنه بألف دينار.
موت أبي جعفر المنصور واستخلاف المهدي قال: وذكروا أنه لما كانت سنة ست وستين ومائة قدم أبو جعفر مكة، فلما قضى حجه احتضر ثلاثة أيام، ثم توفي في اليوم الرابع، وولى ابنه محمد المهدي وكان معه يومئذ بمكة وأخوه جعفر ببغداد، وكان قد عهد إليه أبو جعفر. فلما قفل المهدي إلى بغداد أتاه رجل فقال له: أدرك أخاك جعفرا، فإنه قد هم بمنازعتك، وهو يريد خلعك، فأخذ في السير، ومعه الجنود والأموال، وصناديد الرجال من العراق، ورجال العرب، ووجوه قريش. فلما قدم العراق اعتذر إليه جعفر مما رفع إليه عنه، وحلف له أنه ما نوى ولا أراد منازعته، ولا أشار إلى خلافه، ولا هم به، فقبل منه المهدي ذلك، وعفا عنه، وكان كريما سخيا حليما، فلما كان سنة سبع وستين ومائة قدم حاجا، فدخل المدينة زائرا لقبر النبي صلى الله عليه وآله، فدخل عليه مالك، فحضه على الإحسان إلى أهل المدينة، وحدثه بفضلها وفضل أهلها، ويقول رسول الله صلى الله عليه وآله فيها: أمرت بقرية تأكل القرى، يقولون يثرب (وهي المدينة) تنفي الناس كما ينفي الكير خبث الحديد، ثم قال يا أمير المؤمنين: أفليس هؤلاء أهلا أن يعانوا على الصبر عليها