سفيان بن مالك الفهري وأبا صالح الفهري، فغرم كل واحد منهما عشرة آلاف دينار، ووجههما إلى عبد الملك في الحديد. قال: وكان قدوم موسى أفريقية وما حولها مخوفا، بحيث لا يقدر المسلمون أن يبرزوا في العيدين، لقرب العدو منهم، وإن عامة بيوتها الخصوص (1) وأفضلها القباب، وبناء المسجد يومئذ شبيه بالحظير، غير أنه قد سقف ببعض الخشب، وقد كان ابن النعمان بنى القبلة وما يليها بالمدر، بنيانا ضعيفا، وكانت جبالها كلها محاربة لا ترام، وعامة السهل.
خطبة موسى بأفريقية قال: وذكروا أن موسى لما قدم أفريقية، ونظر إلى جبالها، وإلى ما حولها، جمع الناس ثم صعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، إنما كان قبلي على أفريقية أحد رجلين: مسالم يحب العافية، ويرضى بالدون من العطية، ويكره أن يكلم (2)، ويحب أن يسلم، أو رجل ضعيف العقيدة، قليل المعرفة، راض بالهوينى، وليس أخو الحرب إلا من اكتحل السهر، وأحسن النظر، وخاض الغمر، وسمت به همته، ولم يرض بالدون من المغنم لينجو، ويسلم دون أن يكلم أو يكلم، ويبلغ النفس عذرها في غير خرق يريده، ولا عنف يقاسيه، متوكلا في حزمه، جازما في عزمه، مستزيدا في علمه، مستشيرا لأهل الرأي في إحكام رأيه، متحنكا بتجاربه، ليس بالمتجابن إقحاما، ولا بالمتخاذل إحجاما، إن ظفر لم يزده الظفر إلا حذرا، وإن نكب أظهر جلادة وصبرا، راجيا من الله حسن العاقبة، فذكر بها المؤمنين، ورجاهم إياها لقول الله تعالى (إن العاقبة للمتقين) أي الحذرين. وبعد: فإن كل من كان قبلي كان يعمد إلى العدو الأقصى، ويترك عدوا منه أدنى، ينتهز منه الفرصة، ويدل منه على العورة، ويكون عونا عليه عند النكبة، وأيم الله لا أريم (3) هذه القلاع والجبال الممتنعة حتى (4) يضع الله أرفعها، ويذل أمنعها، ويفتحها على المسلمين بعضها أو جمعها، أو يحكم الله لي وهو خير الحاكمين.