فغضب عبد العزيز وقال له: ائت بعهدك عليها إن كنت صادقا. قال: فأني به حسان، فلما أقرأه عبد العزيز وجدها فيه، فالتفت إلى حسان فقال: ما أنت بتاركها؟ قال: والله لا أنعزل عما ولانيه أمير المؤمنين. قال: فاقعد في بيتك، فسيولي هذا الأمر من هو خير منك وأولى به منك، في تجربته وسياسته، ويغني الله أمير المؤمنين عنك. ثم أخذ عبد العزيز عهده ومزقه، ودعا بموسى بن نصير فعقد له على أفريقية يوم الخميس في صفر سنة تسع وسبعين، فتجهز موسى ابن نصير، وحمل الأموال إلى ذات (1) الجماجم، وبها الجيوش ينتظرون وإليهم فقدم عليهم موسى بن نصير، فلما صار على الجيش الأول أتى عصفور حتى وقع على صدره، فأخذه موسى، فدعا بسكين، فذبحه موسى، ولطخ بدمه صدره من فوق الثياب، ونتف ريشه وطرحه على صدره وعلى نفسه، ثم قال: الفتح ورب الكعبة، والظفر إن شاء الله.
خطبة موسى بن نصير رحمه الله قال: وذكروا أن موسى لما قدم ذات الجماجم، وقد توافت الجيوش بها، جمع الناس فقام خطيبا، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، إن أمير المؤمنين أصلحه الله رأى رأيا في حسان بن النعمان، فولاه ثغركم، ووجهه أميرا عليكم، وإنما الرجل في الناس بما أظهر، والرأي فيما أقبل، وليس فيما أدبر، فلما قدم حسان بن النعمان على عبد العزيز أكرمه الله كفر النعمة، وضيع الشكر، ونازع الأمر أهله، فغير الله ما به، وإنما الأمير أصلحه الله صنو أمير المؤمنين وشريكه، ومن لا يتهم في عزمه ورأيه، وقد عزل حسان عنكم، وولاني مكانه عليكم، ولم يأل أن أجهد نفسه في الاختبار لكم، وإنما أنا رجل كأحدكم، فمن رأى مني حسنة، فليحمد الله، وليحض على مثلها، ومن رأى مني سيئة فلينكرها، فإني أخطئ كما تخطئون، وأصيب كما تصيبون، وقد أمر الأمير أكرمه الله لكم بعطاياكم وتضعيفها أثلاثا، فخذوها هنيئا مريئا، ومن كانت له حاجة فليرفعها إلينا، وله عندنا قضاؤها عل ما عز وهان، مع المواساة إن شاء الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
دخول موسى بن نصير أفريقية قال: وذكروا أن موسى لما سار متوجها إلى المغرب، بقية صفر، ثم ربيع وربيع، ودخل في جمادي الأولى، يوم الاثنين، لخمس خلون منه، سنة تسع وسبعين، فأخذ