ابن عبد الملك بعث إلى موسى من لقيه في الطريق قبل قدومه على الوليد، يأمره بالتثبط (1) في مسيره، وألا يعجل، فإن الوليد بآخر رمقه. فلما أتى موسى بالكتاب من سليمان وقرأه، قال: خنت والله وغدرت وما وفيت، والله لا تربصت ولا تأخرت ولا تعجلت ولكني أسير بمسيري، فإن وافيته حيا لم أتخلف عنه، وإن عجلت منيته فأمره إلى الله. فرجع الرسول إلى سليمان فأعلمه فآلى سليمان لئن ظفر بموسى ليصلبنه، أو ليأتين علي نفسه (2). قال: فلما قدم موسى على الوليد وكان الوليد لما بلغه قدوم موسى واقترابه منه، وجه إليه كتابا يأمره بالعجلة في مسيره، خوفا أن تعجل به منيته قبل قدوم موسى عليه، وأنه أراد أن يراه وأن يحرم سليمان ما جاء به من الجواهر والطرائف التي لا قيمة لها، فلم يكن لموسى شئ يثبطه حين أتاه كتاب الوليد، فأقبل حتى دخل عليه، وقدم تلك الطرائف من الدر والياقوت والزبرجد، والوصفاء والوصائف والوشى، ومائدة سليمان بن داود عليه السلام، ومائدة ثانية من جزع ملون والتيجان. قال: فقبض الوليد الجميع وأمر بالمائدة فكسرت، وعمد إلى أفخر ما فيها، والتيجان والجزع، فجعله في بيت الله الحرام، وفرق غير ذلك، ولم يلبث الوليد أن مات رحمه الله.
خلافة سليمان بن عبد الملك وما صنع بموسى بن نصير قال: وذكروا أن عبد الرحمن بن سلام أخبرهم أن سليمان بن عبد الملك لما أفضت الخلافة إليه، بعث إلى موسى، فأنى به، فعنفه بلسانه، وكان فيما قال له يومئذ: أعلي اجترأت، وأمري خالفت، والله لأقللن عددك، ولأفرقن جمعك، ولأبددن مالك، ولأضعن منك ما كان يرفعه غيري ممن كنت تمنيه أماني الغرور، وتخدعه من آل أبي سفيان، وآل مروان، فقال له موسى: والله يا أمير المؤمنين ما تعتل علي بذنب، سوى أنني وفيت للخلفاء قبلك، وحافظت على من ولي النعمة عندي فيه، فأما ذكر أمير المؤمنين: من أنه يقل عددي، ويفرق جمعي ويبدد مالي، ويخفض حالي، فذلك بيد الله، وإلى الله، وهو الذي يتول النعمة على الإحسان إلي، وبه أستعين، ويعيذ الله عز وجل أمير المؤمنين ويعصمه أن يجري على يديه شيئا من المكروه لم أستحقه، ولم يبلغه ذنب اجترمته. فأمر به سليمان أن يوقف في يوم صائف شديد الحر على طريقه. قال: وكانت بموسى نسمة (3)، فلما أصابه حر الشمس، وأتعبه الوقوف،