ثم وجه عبد الملك رجلا إلى موسى ليقبض ذلك منه على ما ذكر موسى، وعلى ما كتب به.
فلما قدم الرسول على موسى: دفع إليه ما ذكر، وزاده ألفا للوفاء.
فتح هوارة، وزناتة، وكتامة قال: وذكروا أن موسى أرسل عياش بن أخيل إلى هوارة وزناتة في ألف فارس، فأغار عليهم وقتلهم وسباهم، فبلغ سبيهم خمسة آلاف رأس، وكان عليهم رجل منهم يقال له كمامون، فبعث به موسى إلى عبد العزيز في وجوه الأسرى، فقتله عند البركة التي عند قرية عقبة، فسميت بركة كمامون. فلما أوجع عياش فيهم دعوا إلى الصلح، فقدم على موسى بوجوههم، فصالحوهم وأخرجوهم، وكانت كتامة قد قدمت على موسى فصالحته، وولى عليهم رجلا منهم، وأخذ منهم رهونهم، وكتب أحدهم إلى موسى، إنما نحن عبدانك، قتل أحدنا صاحبه، وأنا خير لك منه، فلم يشك موسى أن ذلك إنما كان عن ممالاة من كتامة، وقد كانت رهون كتامة استأذنوا موسى قبل ذلك بيوم ليتصيدوا، فأذن لهم. فلما أتاه ما أتاه تحقق ظنه فيهم، وأنهم إنما هربوا، فوجه الخيول في طلبهم، فأتى بهم، فأراد صلبهم. فقالوا: لا تعجل أيها الأمير بقتلنا حتى يتبين أمرنا، فإن آباءنا وقومنا لم يكونوا ليدخلوا في خلاف أبدا، ونحن في يدك، وأنت على البيان أقدر منك على استحيائنا بعد القتل، فأوقرهم حديدا، وأخرجهم معه إلى كتامة، وخرج هو بنفسه. فلما بلغهم خروج موسى، تلقاه وجوه كتامة معتذرين، فقبل منهم، وتبينت له برأتهم، واستحيا رهونهم.
فتح صنهاجة قال: وذكروا أن الجواسيس أتوا موسى، فقالوا له: إن صنهاجة بغرة منهم وغفلة، وإن إبلهم تنتج، ولا يستطيعون براحا، فأغار عليهم موسى بأربعة آلاف من أهل الديوان، وألفين من المتطوعة، ومن قبائل البربر، وخلف عياشا على أثقال المسلمين وعيالهم بظبية في ألفي فارس، وعلى مقدمة موسى عياض بن عقبة، وعلى ميمنته المغيرة بن أبي بردة، وعلى ميسرته زرعة بن أبي مدرك، فسار موسى حتى غشى صنهاجة، ومن كان معها من قبائل البربر، وهم لا يشعرون، فقتلهم قتل الفناء، فبلغ سبيهم يومئذ مئة ألف رأس، ومن الإبل والبقر والغنم والخيل والحرث والثياب ما لا يحصى، ثم انصرف قافلا إلى القيروان، وهذا كله في سنة ثمانين فلما سمعت الأجناد بما فتح الله على موسى وما أصاب معه المسلمون من الغنائم رغبوا في الخروج إلى الغرب، فخرج نحو مما كان معه، فالتقى المغيرة وصنهاجة، فاقتتلوا قتالا شديدا، ثم إن الله منحه أكتافهم وهزمهم، فبلغ سبيهم ستين ألف رأس ثم انصرف قافلا.