الامامة والسياسة - ابن قتيبة الدينوري ، تحقيق الزيني - ج ٢ - الصفحة ١٥٧
هذا هارون بن محمد الرشيد أمير المؤمنين، فنظر إليه الفضل بن عياض ساعة، ثم قال: هذا الوجه الجميل يسأل غدا عن أمة محمد ويؤاخذ بها، لئن كان العفو والغفران يسعك مع ما أنت فيه، إن هذا لهو الفضل المبين، وكان الرشيد من أجمل الناس خلقا، وأحسنهم نطقا، وأبلغهم لسانا، وأعذبهم كلاما، وأكثرهم علما وفهما، ثم جعل الفضل بن عياض يعظه ويخوفه حتى بكى هارون بكاء شديدا. قال ابن المبارك. ما رأيت أحدا يبكي بكاء الرشيد يومئذ، ثم أفاق من بكائه، فجعل الفضل يذكر مثالبه، ومثالب أهل بيته، ورداءة سيرتهم، وخلافهم الحق، ثم لم يدع شيئا يعيبه به، ولا أمرا ينتقصه فيه إلا واستقبله به. فقال له الرشيد: يا أبا الحسن، أما لك ذنوب تخاف أن تهلك بها إن لم يغفرها الله لك: فقال الفضل: بلى. فقال الرشيد:
فما جعلك بأحق أن ترجو المغفرة مني؟ وأنا على دين يقبل الله فيه الحسنات، ويعفو عن السيئات، ومع ذلك فإني والله ما كنت لأخير (1) بين شئ وبين الله إلا اخترت الله تعالى على ما سواه، الله الشاهد على قولي، والمطلع على نيتي وضميري، وكفى به شهيدا: وأنا مع هذا ألي من الإصلاح بين الناس، والجهاد في سبيل الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ما لا تليه أنت، فما جعلك أحق أن ترجو المغفرة مني؟ فسكت الفضل ساعة ثم قال: ما ظلمك من حجك (2)، ثم قام هارون للخروج. فقال الفضل: يا أمير المؤمنين، إني أخشى أن يكون العلم قد ضاع قبلك كما ضاع عندنا، فقال الرشيد: أجل إنه ما قلت. فلما قدم الرشيد العراق كان أول ما ابتدأ فيه النظر أن كتب إلى الأمصار كلها، وإلى أمراء الأجناد، أما بعد: فانظروا من التزم الأذان عندكم، فاكتبوه في ألف من العطاء، ومن جمع القرآن وأقبل على طلب العلم وعمر مجالس العلم، ومقاصد الأدب، فاكتبوه في ألفي دينار من العطاء، ومن جمع القرآن، وروى الحديث، وتفقه في العلم واستبحر، فاكتبوه في أربعة آلاف دينار من العطاء، وليكن ذلك بامتحان الرجال السابقين لهذا الأمر، من المعروفين به من علماء عصركم، وفضلاء دهركم، فاسمعوا قولهم وأطيعوا أمرهم، فإن الله تعالى يقول: " أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم " وهم أهل العلم. قال ابن المبارك: فما رأيت عالما ولا قارئا للقرآن، ولا سابقا للخيرات، ولا حافظا للمحرمات بعد أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأيام الخلفاء والصحابة أكثر منهم في زمن الرشيد وأيامه، لقد كان الغلام يجمع القرآن وهو ابن ثمان سنين، ولقد كان الغلام يستبحر في الفقه والعلم، ويروي الحديث، ويجمع الدواوين، ويناظر المعلمين وهو ابن إحدى عشرة سنة.

(1) الأخير: لا أفاضل بين شئ وبين الله.
(2) من حجك: من غلبك بالحجة.
(١٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 152 153 154 155 156 157 158 159 160 161 162 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 ذكر اختلاف الرواة في وقعة الحرة وخبر يزيد 3
2 ولاية الوليد المدينة وخروج الحسين بن علي 4
3 قتال عمرو بن سعيد الحسين وقتله 5
4 قدوم من أسر من آل علي على يزيد 6
5 إخراج بني أمية عن المدينة، وذكر قتال أهل الحرة 7
6 حرب ابن الزبير رضي الله عنهما 9
7 خلاف معاوية بن يزيد 10
8 غلبة ابن الزبير رضي الله عنهما وظهوره 11
9 حريق الكعبة - اختلاف أهل الشام على ابن الزبير 12
10 بيعة أهل الشام مروان بن الحكم - موت مروان بن الحكم 13
11 بيعة عبد الملك بن مروان وولايته 14
12 غلبة ابن الزبير على العراقيين وبيعتهم 15
13 بيعة أهل الكوفة لابن الزبير وخروج ابن زياد عنهما 16
14 قتال المختار عمرو بن سعد 19
15 قتل مصعب بن الزبير المختار بن أبي عبيد الله - خلع ابن الزبير 20
16 قتل عبد الملك عمرو بن سعيد 21
17 مسير عبد الملك إلى العراق 22
18 قتل مصعب بن الزبير - ذكر حرب ابن الزبير وقتله 23
19 ولاية الحجاج على العراقيين 25
20 خروج ابن الأشعث على الحجاج 26
21 حرب الحجاج مع ابن الأشعث وقتله 29
22 أسر عامر بن سعيد الشعبي 39
23 انهزام ابن الأشعث وقيام عبد الرحمن بن عياش 41
24 ذكر قتل سعيد بن جبير 42
25 ذكر بيعة الوليد وسليمان بن عبد الملك 44
26 موت عبد الملك وبيعة الوليد 46
27 تولية موسى بن نصير البصرة 48
28 دخول موسى بن نصير على عبد الملك بن مروان - تولية موسى بن نصير على إفريقية 49
29 خطبة موسى بن نصير رحمه الله - دخول موسى بن نصير إفريقية 50
30 خطبة موسى بإفريقية 51
31 فتح زعوان - قدوم كتاب الفتح على عبد العزيز بن مروان - إنكار عبد الملك تولية موسى بن نصير 52
32 جوابه - كتاب عبد العزيز بالفتح إلى عبد الملك - جوابه 53
33 فتح هوارة وزناته وكتامة - فتح صنهاجة 54
34 فتح سجوما 55
35 قدوم الفتح على عبد الملك بن مروان 56
36 غزوة موسى في البحر 57
37 غزوة السوس الأقصى 58
38 قدوم الفتوحات على الوليد بن عبد الملك - فتح قلعة أرساف 59
39 فتح الأندلس 60
40 اتهام الوليد موسى بالخلع - دخول وفد موسى على الوليد بن عبد الملك 62
41 ذكر ما وجد موسى في البيت الذي وجد فيه المائدة مع صور العرب - ذكر ما أفاء الله عليهم 63
42 غزوة موسى بن نصير البشكنس والإفرنج 64
43 خروج موسى بن نصير من الأندلس - قدوم موسى إفريقية 66
44 قدوم موسى إلى مصر - قدوم موسى على الوليد رحمهما الله 68
45 خلافة سليمان بن عبد الملك وما صنع بموسى بن نصير 69
46 عدة موالي موسى بن نصير 70
47 ذكر ما رآه موسى بالمغرب من العجائب 71
48 تولية سليمان بن عبد الملك أخاه مسلمة وما أشار به موسى عليه 72
49 سؤال سليمان موسى عن المغرب 73
50 ذكر قدوم موسى على الوليد 74
51 ذكر اختلاف الناقلين في صنع سليمان بموسى 77
52 نسخة القضية 77
53 ذكر يد موسى إلى المهلب 78
54 ذكر قتل عبد العزيز بن موسى بالأندلس 79
55 قدوم رأس عبد العزيز بن موسى عن أخباره وأفعاله 83
56 ذكر ولاة الأندلس بعد موسى بن نصير - ذكر حج سليمان مع عمر بن عبد العزيز 86
57 ما قال طاووس اليماني لسليمان بمكة 87
58 ذكر وفاة سليمان واستخلافه عمر بن عبد العزيز 92
59 أيام عمر بن عبد العزيز 96
60 ذكر قدوم جرير بن الخطفى على عمر بن عبد العزيز 97
61 وفاة الرشيد والمأمون خارج العراق - اتصال أشرار العراق بالأمين وإيغار صدره على أخيه الأمين 174
62 دخول المأمون قصر الخلافة وحبسه أخاه الأمين - هروب الأمين من السجن وقتله - تمام الكتاب 175