إلى عبد العزيز ببلاء زرعة بن أبي مدرك وما أوصله، وأنه لولا ذلك أوفده إلى أمير المؤمنين، ففرض له عبد العزيز في مئة، وفرض لثلاثين رجلا من قومه، وانصرف موسى قافلا، وذلك في سنة أربع وثمانين.
غزوة موسى في البحر قال: وذكروا أن موسى أقام بالقيروان بعد قفله شهر رمضان وشوال، فأمر بدار صناعة بتونس (1) وجر البحر إليها (2)، فعظم عليه الناس ذلك، وقالوا له: هذا أمر لا نطيقه، فقام إلى موسى رجل من مسالمة البربر، ممن حسن إسلامه، فقال له: أيها الأمير، قد مر على مئة وعشرون سنة، وإن أبي حدثني أن صاحب قرطا جنة لما أراد بناء قناتها، أتاه الناس يعظمون عليه ذلك فقام إليه رجل فقال له: أيها الملك: إنك إن وضعت يدك بلغت منها حاجتك، فإن الملوك لا يعجزها شئ بقوتها وقدرتها، فضع يدك أيها الأمير، فإن الله تعالى سيعينك على ما نويت، ويأجرك فيما توليت. فسر بذلك موسى، وأعجبه قول هذا الشيخ. فوضع يده، فبنى دار صناعة بتونس، وجر البحر إليها مسيرة اثنى عشر ميلا، حتى أقحمه دار الصناعة، فصارت مشتى للمراكب إذا هبت الأنواء والأرياح. ثم أمر بصناعة مئة مركب، فأقام بذلك بقية سنة أربع وثمانين، وقدم عطاء بن أبي نافع الهذلي في مراكب أهل مصر، وكان قد بعثه عبد العزيز يريد سردانية، فأرسى بسوسة، فأخرج إليه موسى الأسواق، وكتب إليه أن ركوب البحر قد فات في هذا الوقت وفي هذا العام. فأقم لا تغرر بنفسك. فإنك في تشرين الآخر، فأقم بمكانك حتى يطيب ركوب البحر قال: فلم يرفع عطاء لكتاب موسى رأسا (3)، وشحن مراكبه، ثم رفع فسار حتى أتي جزيرة يقال لها سلسلة، وافتتحها، وأصاب فيها مغانم كثيرة، وأشياء عظيمة من الذهب والفضة والجواهر، ثم انصرف قافلا، فأصابته ريح عاصف، فغرق عطاء وأصحابه، وأصيب الناس، ووقعوا بسواحل أفريقية. فلما بلغ ذلك موسى، وجه يزيد بن مسروق في خيل إلى سواحل البحر، يفتش على ما يلقى البحر من سفن عطاء وأصحابه فأصاب تابوتا منحوتا قال:
فمنه كان أصل غناء يزيد بن مسروق. قال: ولقد لقيت شيخا متوكئا على قصبة، فذهبت