يدي، وقد برئت مني الذمة، إنما نزلت بعد الله وميثاقه. قال: لا، والله حتى أقدمك إلى النار. قال: فضرب عنقه. ثم جاء معقل بن سنان الأشجعي، وكان جالسا في بيته، فأتاه مئة رجل من قومه، فقالوا له اذهب بنا إلى الأمير حتى نبايعه. فقال لهم: إني قد قلت له قولا، وأنا أتخوف، فقالوا: لا، والله لا يصل إليك أبدا، فلما بلغوا الباب أدخلوا معقلا، وحبسوا الآخرين، وأغلقوا الباب، فلما نظر إليه مسلم بن عقبة قال: إني أرى شيخا قد تعب وعطش، أسقوه من البلح الذي زودني به أمير المؤمنين، قال: فخاضوا له بلحا بعسل فشربه. قال له: أشربت؟ قال: نعم، قال: والله لا تبولها من مثانتك أبدا، أنت القائل:
اركب فيلا أو فيلة وتكون أبا يكسوم. فقال معقل: أما والله لقد تخوفت ذلك منك، وإنما غلبتني عشيرتي. قال: فجعل يفري جبة كانت عليه، وقال: أكره أن يلبسوها، فضرب عنقه، ثم سار إلى مكة، حتى إذا بلغ قفا المشلل أدنف، فدعا الحصين بن نمير. فقال له:
يا بن برذعة الحمار، والله ما خلق الله أحدا أبغض إلي منك، ولولا أن أمير المؤمنين أمرني أن أستخلفك ما استخلفتك، أتسمع؟ قال: نعم، قال: لا تكونن إلا على الوقاف، ثم الثقاف (1)، ثم الانصراف، ولا تمكن قريشا من أذنك. ثم مات مسلم بن عقبة، فدفن بقفا المشلل، وكانت أم ولد ليزيد بن عبد الله بن زمعة بأستار، فخرجت إليه فنبشته من قبره، ثم أحرقت عليه بالنار، وأخذت أكفانه فشقتها، وعلقتها بالشجرة، فكل من مر عليه يرميه بالحجارة، وسار الحصين حتى جاء مكة، فدعاهم إلى الطاعة، وعبد الله بن الزبير يؤمئذ بمكة، فلم يجبه، فقاتله، فقتل يومئذ المنذر بن الزبير، ورجلان من إخوته، ومصعب بن عبد الرحمن، والمسور بن مخرمة.
حرب ابن الزبير رضي الله عنهما قال: وذكروا أن مسلم بن عقبة لما فرغ من قتال أهل المدينة يوم الحرة، مضى إلى مكة المشرفة، يريد ابن الزبير، حتى إذا كان بقديد، حضرته الوفاة، فدعا الحصين بن نمير.
فقال له: إن أمير المؤمنين عصاني فيك، فأبى إلا استخلافك بعدي، فلا ترسلن بينك وبين قريش رسولا تمكنه من أذنيك، إنما هو الوقاف، ثم الثقاف، ثم الانصراف. وهلك مسلم بن عقبة، فدفن بالثنية. قال: وسمع بهم عبد الله بن الزبير، فأحكم مراصد مكة، فجعل عليها