ذكر الحائك المتطفل قال: وذكروا أن الرشيد لما انصرف من الحجاز وصار بالرقة (1) قال لوزيره عمرو بن مسعدة: ما زلت تكلمني وتستلطفني في الرحجي حتى وليته الأهواز، فقعد في سرة الدنيا يأكلها خضما (2) وقضما، ولم يوجه إلي درهما، فاخرج إليه من ساعتك هذه، حتى تحل ساحته، ثم لا تدع له حرمة إلا انتهكتها، ولا أكرومة إلا أهنتها، ثم لا تسمع له حجة يرفعها، ولا تقبل منه كلمة ينهيها، إن اعتذر فلا تقبل له عذرا، وإن قال فلا تقبل له قولا، فشر قائل. وأكذب متظلم، فقلت في نفسي: أبعد الوزارة أصير مستحثا على عامل خراج؟ ولكن لم أجد بدا من طاعة أمير المؤمنين، إذ كانت ولايته بسببي. فقلت: أخرج يا أمير المؤمنين؟ قال: فاحلف أنك لا تلبث في بغداد إلا يوما، فحلفت له، ثم انحدرت إلى بغداد، ثم خرجت، فلما صرت بين دير هرقل وبين دير العاقول، إذا رجل يصيح: يا ملاح، يا ملاح، رجل منقطع. فقلت للملاح: قرب إلى الشط. فقال: يا سيدي هذا رجل شحاذ وإن قعد معك آذاك، قال الوزير:
فلم يلتفت إليه ولقوله، وأمرت الغلمان فأدخلوه فقعد، فلما حضر الغداء دعوته، فكان يأكل أكل جائع بنهامة، إلا أنه نظيف الأكل، فلما رفع الطعام، أردت أن يقوم ويغسل يديه في ناحية، فلم يفعل، فغمزه الغلمان، فلم يفعل، فتشاغلت عنه ليقوم، ثم قلت له: يا هذا ما صناعتك؟
قال لي: حائك، فقلت في نفسي: هذه شر من الأولى، ما ألوم غير نفسي، إذ لم أقبل ممن نصحني، وصرت أواكل الحوكة (3). فقلت: توضأ يا أخي، فتوضأ، ثم قال لي: جعلت فداك:
قد سألتني عن صناعتي، فما صناعتك أنت؟ فقلت في نفسي: هذه شر من الأولى، وكرهت أن أذكر الوزارة، وقلت اقتصر على الكتابة. فقلت له: كاتب. فقال: إن الكتابة على خمسة أصناف: كاتب رسائل، يحتاج أن يعرف الفصل من الوصل، والصدور ورقيق الكلام، والتهاني والتعازي، والترهيب والترغيب، والمقصور والممدود، وجملا من العربية. وكاتب جند يحتاج إلى أن يعرف حساب التقدير، وشيات (4) الدواب، وحلي الناس ونعوتهم (5). وكاتب قاض،