لها: اختاريني، أو اختاري الثوب الذي عمل لك أبوك، وكان قد عمل لها أبوها عبد الملك ثوبا منسوجا بالذهب، منظوما بالدر والياقوت، أنفق عليه مائة ألف دينار. فقال لها: إن اخترتني فإني آخذ الثوب فأجعله في بيت المال، وإن اخترت الثوب، فلست لك بصاحب.
فقالت: أعوذ بالله يا أمير المؤمنين من فراقك، لا حاجة لي بالثوب. فقال عمر: وإنا أفعل بك خصلة، أجعل الثوب في آخر بيت المال، وأنفق ما دونه، فإن وصلت إليه أنفقته في مصالح المسلمين، وإنما هو من أموال المسلمين أنفقت فيه، وإن بقي الثوب ولم أحتج إليه، فلعل أن يأتي بعدي من يرده إليك. قالت: افعل يا أمير المؤمنين ما بدا لك. ثم دخل عليه ابنه، وعليه قميص تذعذع (1). فقال له عمر: ارقع قميصك يا بني، فوالله ما كنت قط بأحوج إليه منك اليوم.
ذكر قدوم جرير بن الخطفى على عمر بن عبد العزيز قال: وذكروا عن عبد الأعلى بن أبي المشاور، أنه أخبرهم قال: قدم جرير شاعر أهل العراق وأهل الحجاز على عمر، أول ما استخلف، فأطال المقام ببابه، لا يصل إليه حتى قدم عليه عون بن عبد الله الهذلي، وكان من عباد الناس وخيارهم، وعليه جبة صوف وعمامة صوف قد أسد لها خلفه، فجعل يتخطى رقاب الناس من قريش، بني أمية وغيرهم، لا يمنع ولا يحجب هو ومثله من أكابر الناس وخيارهم، وفضلاء العباد، وقريش لا يصلون ولا يدخلون فلما خرج عون بن عبد الله، اتبعه جرير بن الخطفى وهو يقول يا أيها الرجال المرخى عمامته * هذا زمانك إني قد مضى زمني أبلغ خليفتنا إن كنت لاقيه * أتى لدى الباب كالمصفود (2) في قرن فاحلل صفادي (3) فقد طال المقام به * وشطت (4) الدار عن أهلي وعن وطني قال فضمن له عون بن عبد الأعلى أن يدخله عليه. فلما دخل على عمر قال: يا أمير المؤمنين، هذا جرير بن الخطفى بالباب، يريد الإذن. فقال عمر: ما كنت أرى أحدا يحجب عني. قال:
إنه يريد إذنا خاصا قال له عمر: إله عن ذكره، ثم حدثه طويلا، ثم قال يا أمير المؤمنين:
إن جريرا بالباب: فقال: إله عن ذكره. قال إذا لا أسلم من لسانه. فقال عمر: أما إذ قد بلغ منك خوف لسانه ما أرى فأذن له. فدخل جرير. فلما كان قيد رمح أو رمحين (5) وعمر