أعرج، فجعل يسير قليلا ويقف، ويقول: ما لي أذهب إلى ابن زياد؟ فما زال ذلك دأبه حتى دخل عليه. فقال له عبيد الله بن زياد: يا هانئ، أما كانت يد زياد عندك بيضاء؟ قال: بلى، قال: ويدي؟ قال: بلى، فقال يا هانئ: قد كانت لكم عندي يد بيضاء، وقد أمنتك على نفسك ومالك، فتناول العصا التي كانت بيد هانئ، فضرب بها وجهه حتى كسرها، ثم قدمه فضرب عنقه. قال: وأرسل جماعة إلى مسلم بن عقيل، فخرج عليهم بسيفه، فما زال يقاتلهم حتى أخرج وأسر، فلما أسر بعث الرجال، فقال: اسقوني ماء. قال: ومعه رجل من بني أبي معيط، ورجل من بني سليم يقال له: شهر بن حوشب. فقال له شهر بن حوشب:
لا أسقيك إلا من البئر. فقال المعيطى: والله لا نسقيه إلا من الفرات، قال: فأمر غلاما له، فأتاه بإبريق من ماء، وقدح قوارير ومنديل. قال: فسقاه فتمضمض مسلم، فخرج الدم، فما زال يمسح الدم، ولا يسيغ شيئا منه حتى قال: أخروه عني. قال: فلما أصبح دعا به عبيد الله بن زياد وهو قصير، فقدمه لتضرب عنقه، فقال: دعني حتى أوصي، فقال: أوص.
فنظر مسلم في وجوه الناس فقال لعمرو بن سعيد: ما أرى هاهنا من قريش غيرك، فادن مني حتى أكلمك، فدنا منه، فقال له: هل لك أن تكون سيد قريش ما كانت قريش؟ إن الحسين ومن معه وهم تسعون بين رجل وامرأة في الطريق فارددهم، واكتب إليهم بما أصابني. قال: فضرب عنقه وألقاه عمرو لعبيد الله وقال: أتدري ما قال؟ فقال عبيد الله اكتم على ابن عمك. فقال عمرو: هو أعظم من ذلك، فقال ابن زياد: فأي شئ هو؟ قال:
أخبرني أن الحسين ومن معه قد أقبل. وهم تسعون إنسانا بين رجل وامرأة. فقال: أما والله إذ دللت عليه لا يقاتلهم أحد غيرك.
قتال عمرو بن سعيد الحسين وقتله قال: وذكروا أن عبيد الله بن زياد، بعث جيشا أمر عليهم عمرو بن سعيد، وقد جاء الحسين الخبر، فهم أن يرجع ومعه خمسة من بني عقيل فقالوا له: أترجع وقد قتل أخونا، وقد جاءك من الكتب ما نثق به؟ فقال لبعض أصحابه: والله ما لي عن هؤلاء من صبر، يعني بني عقيل. قال: فلقيه الجيش على خيولهم بوادي السباع، فلقوهم وليس معهم ماء. فقالوا: يا بن بنت رسول الله اسقنا. قال: فأخرج لكل فارس صحفة من ماء، فسقاهم بقدر ما يمسك برمقهم. ثم قالوا: سر يا بن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما زالوا يرجونه، وأخذوا به على الجرف حتى نزلوا بكربلاء، فقال الحسين: أي أرض هذه؟ قالوا: كربلاء، قال: هذا كرب وبلاء. قال: فنزلوا وبينهم وبين الماء ربوة، فأراد الحسين وأصحابه الماء فحالوا بينهم