فقال الوليد: سنرى في هذا الأمر، وترون إن شاء الله. ثم كتب الحجاج إلى الوليد:
أما بعد، فإن الله تعالى استقبلك يا أمير المؤمنين في حداثة بما لا أعلمه استقبل به خليفة قبلك من التمكين في البلاد، والملك للعباد، والنصر على الأعداء، فعليك بالإسلام، فقوم أوده، وشرائعه وحدوده، ودع عنك محبة الناس وبغضهم وسخطهم، فإنه قل ما يؤتى الناس من خير أو شر، إلا أفشوه في ثلاثة أيام، والسلام.
تولية موسى بن نصير البصرة قال: وحدثنا يزيد بن سعيد مولى مسلم، أن عبد الملك بن مروان لما أراد أن يولي أخاه بشر بن مروان على العراق، كتب إلى أخيه عبد العزيز بن مروان وهو بمصر، وبشر معه يقود الجنود، وكان يؤمئذ حديث السن: إني قد وليت أخاك بشرا البصرة، فأشخص معه موسى بن نصير، وزيرا ومشيرا، وقد بعثت إليك بديوان العراق، فادفعه إلى موسى، وأعلمه أنه المأخوذ بكل خلل وتقصير، فشخص بشر من مصر إلى العراق، ومعه موسى بن نصير، حتى نزل البصرة، فلما نزلها دفع إلى موسى بن نصير خاتمه، وتخلى عن جميع العمل، فلبث موسى مع بشر ما لبث، ثم إن رجلا من أهل العراق دخل على بشر بن مروان فقال له: هل لك أن أسقيك شرابا لا تشيب معه أبدا، بعد أن أشترط عليك شروطا؟ قال بشر: وما هي؟ قال: لا تغضب ولا تركب، ولا تجامع امرأة في أربعين ليلة، ولا تدخل حماما، فقبل ذلك بشر وأجابه، وشرب ما أسقاه، واحتجب عن قريب الناس وبعيدهم، وخلا مع جواريه وخدامه، فكان كذلك حتى أتته ولاية الكوفة وقد ضمت إليه مع البصرة، فأتاه من ذلك ما لم يحمل فرحه، ولا السرور به، فدعا بركاب ليركبها، فأتاه الرجل، فناشده لا يخرج ولا يركب، وأن لا يتحرك بحركة من مكانه، فلم يلتفت بشر إلى كلامه، ولم يقبل ما أمره به، فلما رأى الرجل عزمه قال له: فأشهد لي على نفسك بأنك قد عصيتني ففعل بشر ذلك، وأشهد أنه قد أبرأه، فركب وهو يريد الكوفة، فلم يسر إلا أميالا، حتى وضع يده على لحيته، فإذا هي في كفه قد سقطت من وجهه، فلما رأى ذلك انصرف إلى البصرة، فلم يلبث إلا قليلا حتى هلك، فلما بلغ عبد الملك موته، وجه الحجاج بن يوسف واليا عليها. فقال موسى بن نصير: ما فاتك فلا يفوتك، وكان عبد الملك قد أراده لأمر عتب عليه منه. فكتب خالد بن أبان، من الشام إلى موسى ابن نصير: إنك معزول، وقد وجه