المؤمنين ما كان معجلا، وإلا فأذن لي فأعلمه، فإني أخاف علينا يوم سوء إن تأخر هذا، وبلغه من غيرنا، وإعلامك له في هذا الوقت يسقط عنا ذلك الذنب، فهي أحق بالعقوبة منك قال: جعفر: لا والله لا أعلمته به أبدا، فالموت علي أيسر منه، وأرجو الله أن لا يطلعه عليه، فقال له يحيى: لا تظن هذا يخفى عليه، فأطعني اليوم وأعلمه. فقال جعفر: والله لا أفعل هذا أبدا ولا أتكلم به، وبالله أستعين، فلم يرع الرشيد إلا أن رفعت إليه جارية من جواريها رقعة، وأعلمت ذلك فيها فاستحق ذلك عند الرشيد باستعفاء جعفر لما كان من إتحافها، واعتذاره بالعلة من غير مرض ينهكه، فغفل عنه الرشيد، ولم ير لذلك جفوة، ولا زاد له إلا كرامة، ولا لديه إلا حرمة ورفعة، حتى قرب وقت الهلاك، ودنا منقلب الحتف، والله أعلم.
قد تم بعون الله تعالى ما به ابتدأنا، وكمل وصف ما قصصنا، من أيام خلفائنا وخير أئمتنا، وفتن زمانهم، وحروب أيامهم، وانتهينا إلى أيام الرشيد، ووقفنا عند انقضاء دولته، إذ لم يكن في اقتصاص أخبار من بعده، ونقل حديث ما دار على أيديهم، وما كان في زمانهم كبير منفعة، ولا عظيم فائدة، وذلك لما انقضى أمرهم، وصار ملكهم إلى صبية أغمار (1)، غلب عليهم زنادقة العراق، فصرفوهم إلى كل جنون، وأدخلوهم إلى الكفر، فلم يكن لهم بالعلماء والسنن حاجة، واشتغلوا بلهوهم، واستغنوا برأيهم. وكان الرشيد مع عظم ملكه، وقدر شأنه، معظما للخير وأهله، محبا لله ورسوله، ولما دخلت عليه سنة تسعين ومئة أخذته الحمى التي أخبر بها جده أبو جعفر المنصور، وهو في المهد صغيرا، فعرف أنه قد دنا أجله، وحان هلاكه، فاجتمع إليه أطباء العراق يعالجونه، ثم استعان بأطباء الروم والهند، واستجلبهم من الآفاق، فلم يزالوا يداوونه حتى مضت له ثلاثة أعوام، وما أقلعت عنه، ولم يزده العلاج إلا شدة. فلما دخلت سنة أربع وتسعين ومئة أثرت به، وأنهكت بدنه، واشتد ألمه، وتمادى به وجعه، فذكر البيعة لابنه المأمون. فلما سمعت بذلك زبيدة، وكان ابنها منه محمد الأمين، هجرته وتغاضت عنه، وأكربها ذلك وغمها، حتى ظهر ذلك عليها، وبدا أثر الغم في وجهها، ودخلت عليه تعاتبه في ذلك أشد المعاتبة، وتؤاخذه أعنف المؤاخذة.