الامامة والسياسة - ابن قتيبة الدينوري ، تحقيق الزيني - ج ٢ - الصفحة ١٧١
إليك، وأستعين بالله عليك، وبما صار معي من كريم جسدك، وطيب جوارحك، ليحيى عبدك. فأخذ هارون ذلك فلثمه، ثم استعبر وبكى بكاء شديدا، وبكى أهل المجلس، ومر البشير إلى يحيى، وهو لا يظن إلا أن البكاء رحمة له، ورجوع عنه. فلما أفاق رمى جميع ذلك في الحق، وقال لها: لحسن ما حفظت الوديعة: قالت: وأهل للمكافأة أنت يا أمير المؤمنين. فسكت: وطبع الحق، ودفعه إليها، وقال: " إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها "، قالت: يا أمير المؤمنين وقال عز وجل: " وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل "، وقال تعالى: " وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم "، فقال لها: وما ذاك يا أم الرشيد؟ قالت: ما أقسمت لي به يا أمير المؤمنين، أن لا يحجبك عني حاجب. فقال لها:
يا أم الرشيد، أحب أن تشتريه محكمة فيه. قالت: أنصفت يا أمير المؤمنين، وقد فعلت غير مستقيلة لك، ولا راجعة عنك. قال: بكم؟ قالت: برضاك عمن لم يسخطك: قال:
يا أم الرشيد، أمالي عليك من الحق مثل الذي لهم؟ قالت: بلى يا أمير المؤمنين إنك لأعز علي، وهم أحب إلي. قال: إذا فتحكمي في ثمنه بغيرهم. قالت: بلى وقد وهبتكه وجعلتك في حل منه، وقامت عنه، فبقي الرشيد مبهوتا، ما يحير لفظة. قال سهل: وخرجت عنه فلم تعد إليه، ولا والله إن رأيت عيني لعينها عبرة، ولا سمعت أذني لنعيها أنه. قال سهل: وكان الأمين رضيع يحيى بن جعفر، فمت إليه يحيى بن خالد بذلك، فوعده استيهاب أمه إياهم، ثم شغله اللهو عنهم، فكتب إليه يحيى، وقيل: إنها لسليمان الأعمى أخي مسلم بن الوليد:
يا ملاذي وعصمتي وعمادي * ومجيري من الخطوب الشداد بك قام الرجاء في كل قلب * زاد فيه البلاء كل مزاد إنما أنت نعمة أعقبتها * أنعم نفعها لكل العباد وعد مولاك أتممتة فأبهى الدر * ما زين حسنه بانعقاد ما أظلت سحائب اليأس إلا * خلت في كشفها عليك اعتمادي إن تراخت يداك عني فواقا * أكلتني الأيام أكل الجراد وبعث بها إليه، فبعثها الأمين إلى أمه زبيدة، فأعطها الرشيد وهو في موضع لذاته، وفي إقبال من أريحيته، وتهيأت للاستشفاع لهم، وهيأت جواريها ومغنياتها، وأمرتهن بالقيام إليه معها. فلما فرغ الرشيد من قراءتها لم ينقض حبوته (1) حتى وقع في أسفلها: عظيم ذنبك أمات

(1) لم ينقض حبوته: أي لم يتحرك من مكانه، وأصل الحبوة أن يجلس الرجل واضعا ركبتيه منصوبتي الساقين ملتصقتين ببطنه، ولكن المراد هنا لم يتحرك من مكانه.
(١٧١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 165 166 167 168 169 170 171 172 173 174 175 » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 ذكر اختلاف الرواة في وقعة الحرة وخبر يزيد 3
2 ولاية الوليد المدينة وخروج الحسين بن علي 4
3 قتال عمرو بن سعيد الحسين وقتله 5
4 قدوم من أسر من آل علي على يزيد 6
5 إخراج بني أمية عن المدينة، وذكر قتال أهل الحرة 7
6 حرب ابن الزبير رضي الله عنهما 9
7 خلاف معاوية بن يزيد 10
8 غلبة ابن الزبير رضي الله عنهما وظهوره 11
9 حريق الكعبة - اختلاف أهل الشام على ابن الزبير 12
10 بيعة أهل الشام مروان بن الحكم - موت مروان بن الحكم 13
11 بيعة عبد الملك بن مروان وولايته 14
12 غلبة ابن الزبير على العراقيين وبيعتهم 15
13 بيعة أهل الكوفة لابن الزبير وخروج ابن زياد عنهما 16
14 قتال المختار عمرو بن سعد 19
15 قتل مصعب بن الزبير المختار بن أبي عبيد الله - خلع ابن الزبير 20
16 قتل عبد الملك عمرو بن سعيد 21
17 مسير عبد الملك إلى العراق 22
18 قتل مصعب بن الزبير - ذكر حرب ابن الزبير وقتله 23
19 ولاية الحجاج على العراقيين 25
20 خروج ابن الأشعث على الحجاج 26
21 حرب الحجاج مع ابن الأشعث وقتله 29
22 أسر عامر بن سعيد الشعبي 39
23 انهزام ابن الأشعث وقيام عبد الرحمن بن عياش 41
24 ذكر قتل سعيد بن جبير 42
25 ذكر بيعة الوليد وسليمان بن عبد الملك 44
26 موت عبد الملك وبيعة الوليد 46
27 تولية موسى بن نصير البصرة 48
28 دخول موسى بن نصير على عبد الملك بن مروان - تولية موسى بن نصير على إفريقية 49
29 خطبة موسى بن نصير رحمه الله - دخول موسى بن نصير إفريقية 50
30 خطبة موسى بإفريقية 51
31 فتح زعوان - قدوم كتاب الفتح على عبد العزيز بن مروان - إنكار عبد الملك تولية موسى بن نصير 52
32 جوابه - كتاب عبد العزيز بالفتح إلى عبد الملك - جوابه 53
33 فتح هوارة وزناته وكتامة - فتح صنهاجة 54
34 فتح سجوما 55
35 قدوم الفتح على عبد الملك بن مروان 56
36 غزوة موسى في البحر 57
37 غزوة السوس الأقصى 58
38 قدوم الفتوحات على الوليد بن عبد الملك - فتح قلعة أرساف 59
39 فتح الأندلس 60
40 اتهام الوليد موسى بالخلع - دخول وفد موسى على الوليد بن عبد الملك 62
41 ذكر ما وجد موسى في البيت الذي وجد فيه المائدة مع صور العرب - ذكر ما أفاء الله عليهم 63
42 غزوة موسى بن نصير البشكنس والإفرنج 64
43 خروج موسى بن نصير من الأندلس - قدوم موسى إفريقية 66
44 قدوم موسى إلى مصر - قدوم موسى على الوليد رحمهما الله 68
45 خلافة سليمان بن عبد الملك وما صنع بموسى بن نصير 69
46 عدة موالي موسى بن نصير 70
47 ذكر ما رآه موسى بالمغرب من العجائب 71
48 تولية سليمان بن عبد الملك أخاه مسلمة وما أشار به موسى عليه 72
49 سؤال سليمان موسى عن المغرب 73
50 ذكر قدوم موسى على الوليد 74
51 ذكر اختلاف الناقلين في صنع سليمان بموسى 77
52 نسخة القضية 77
53 ذكر يد موسى إلى المهلب 78
54 ذكر قتل عبد العزيز بن موسى بالأندلس 79
55 قدوم رأس عبد العزيز بن موسى عن أخباره وأفعاله 83
56 ذكر ولاة الأندلس بعد موسى بن نصير - ذكر حج سليمان مع عمر بن عبد العزيز 86
57 ما قال طاووس اليماني لسليمان بمكة 87
58 ذكر وفاة سليمان واستخلافه عمر بن عبد العزيز 92
59 أيام عمر بن عبد العزيز 96
60 ذكر قدوم جرير بن الخطفى على عمر بن عبد العزيز 97
61 وفاة الرشيد والمأمون خارج العراق - اتصال أشرار العراق بالأمين وإيغار صدره على أخيه الأمين 174
62 دخول المأمون قصر الخلافة وحبسه أخاه الأمين - هروب الأمين من السجن وقتله - تمام الكتاب 175