إنكار أبي جعفر المنصور لضرب مالك قال: وذكروا أنه لما بلغ أبا جعفر ضرب مالك بن أنس، وما أنزل به جعفر بن سليمان أعظم ذلك إعظاما شديدا، وأنكره ولم يرضه، وكتب بعزل جعفر بن سليمان عن المدينة، وأمر أن يؤتي به إلى بغداد على قتب (1). وولى على المدينة رجلا من قريش من بني مخزوم، وكان يوصف بدين وعقل وحزم وذكاء، وذلك في شهر رمضان، من سنة إحدى وستين ومائة.
وكتب أبو جعفر إلى مالك بن أنس، ليستقدمه إلى نفسه ببغداد، فأبى مالك، وكتب إلى أبي جعفر يستعفيه من ذلك، ويعتذر له ببعض العذر إليه. فكتب أبو جعفر إليه: أن وافني بالموسم العام القابل إن شاء الله، فإني خارج إلى الموسم.
دخول مالك على أبي جعفر بمنى قال وذكروا: أن مالكا حج سنة ثلاث وستين ومائة، ثم وافى أبا جعفر بمنى أيام منى، فذكروا أن مطرفا أخبرهم، وكان من كبار أصحاب مالك. قال: قال لي مالك: لما صرت بمنى أتيت السرادقات، فأذنت بنفسي، فأذن لي، ثم خرج إلي الآذن من عنده فأدخلني.
فقلت للآذن: إذا انتهيت بي إلى القبة التي يكون فيها أمير المؤمنين فأعلمني، فمر بي من سرادق إلى سرادق، ومن قبة إلى أخرى، في كلها أصناف من الرجال بأيديهم السيوف المشهورة، والأجزرة (2) المرفوعة، حتى قال لي الآذن: هو في تلك القبة، ثم تركني الآذن وتأخر عني، فمشيت حتى انتهيت إلى القبة التي هو فيها فإذا هو قد نزل عن مجلسه الذي يكون فيه إلى البساط الذي دونه، وإذا هو قد لبس ثيابا قصدة (3)، لا تشبه ثياب مثله، تواضعا لدخولي عليه، وليس معه في القبة إلا قائم على رأسه بسيف صليت (4)، فلما دنوت منه، رحب بي وقرب.
ثم قال: هاهنا إلي، فأوميت للجلوس. فقال: هاهنا، فلم يزل يدنيني حتى أجلسني إليه، ولصقت ركبتي بركبتيه. ثم كان أول ما تكلم به أن قال: والله الذي لا إله إلا هو يا أبا عبد الله ما أمرت بالذي كان، ولا علمته قبل أن يكون، ولا رضيته إذ بلغني (يعني الضرب). قال