الامامة والسياسة - ابن قتيبة الدينوري ، تحقيق الزيني - ج ٢ - الصفحة ١٥٥
القاضي مع الرشيد يومئذ، فسأله أن يجمع بينه وبين مالك، ليكلمه في الفقه. فقال الرشيد لمالك: كلمه يا أبا عبد الله، فأنف من ذلك مالك، وتنزه عنه، وقال لهارون: ها هنا من فتيان قريش من تلامذتنا، من يبلغ حاجة أمير المؤمنين، ويخصمه (1) فيما يتكلم به، ويذهب إليه، فسر ذلك الرشيد حين أضاف ذلك إلى قريش. فقال: من هو؟ فقال: المغيرة بن عبد الرحمن المخزومي، فبعث إليه الرشيد فجمعه بأبي يوسف فقال: كلمني بما بدا لك أجاوبك.
فقال أبو يوسف القاضي: يا أمير المؤمنين إن هؤلاء، يعني مالكا وأصحابه، يقضون بغير ما في كتاب الله، يقول الله عز وجل " وأشهدوا ذوي عدل منكم ": وقال: " واستشهدوا شهيدين من رجالكم " وهؤلاء يقضون باليمين مع الشاهد، ولا نسمع أن الله تعالى ذكر إلا شاهدين وأربعة شهداء، ولم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قضى به، وإنما يدور هذا الحديث الذي روى فيه سهيل عن أبي صالح عن أبيه، ثم نسبه سهيل، فكان يحدث ويقول: حدثني ربيعة عن أبي هريرة " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد " فلما نسبه سهيل بطل الخبر، وأثبت أصله، فلا معنى لذكره. قال المغيرة: قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقضى به علي بالكوفة. فقال أبو يوسف: أنا أكلمك بالقرآن، وأنت تكلمني بأفعال الناس، أتراك تعرفني بهذا، وبما قضى به علي وغيره؟ فقال المغيرة.
فأنت كافر بنبي قضى باليمين مع الشاهد، أو مؤمن به؟ فسكت أبو يوسف فحجه (2) المغيرة.
فسر بذلك الرشيد، وأمر للمغيرة بألف دينار. ثم أرسل الرشيد إلى مالك فقال: ما تقول في هذا المنبر، فإني أريد أن أنزع ما زاد فيه معاوية بن أبي سفيان وأرده إلى الثلاث درجات، التي كانت بعهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال له مالك: لا تفعل يا أمير المؤمنين، فإنما هو من عود ضعيف قد تخرمته المسامير، فإن نقضته تفكك، وذهب أكثره، ومع هذا إنه يا أمير المؤمنين لو أعدته إلى ثلاث درجات لم آمن عليه أن ينتقل عن المدينة، يأتي بعدك أحد فيقول أو يقال له: ينبغي لمنبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون معك حيث كنت، فإنما المنبر للخليفة، فينتقل كما انتقل من المدينة كل ما كان بها من آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما أعلم أنه ترك له عليه الصلاة والسلام بها نعل ولا شعر ولا فراش ولا عصا ولا قدح ولا شئ مما كان له ها هنا من آثاره إلا وقد انتقل: فأطاعه الرشيد، وانتهى عن ذلك برأي

(1) يخصمه بضم الصاد: ينتصر عليه في هذه الخصومة.
(2) حجه: انتصر عليه في حجته.
(١٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 150 151 152 153 154 155 156 157 158 159 160 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 ذكر اختلاف الرواة في وقعة الحرة وخبر يزيد 3
2 ولاية الوليد المدينة وخروج الحسين بن علي 4
3 قتال عمرو بن سعيد الحسين وقتله 5
4 قدوم من أسر من آل علي على يزيد 6
5 إخراج بني أمية عن المدينة، وذكر قتال أهل الحرة 7
6 حرب ابن الزبير رضي الله عنهما 9
7 خلاف معاوية بن يزيد 10
8 غلبة ابن الزبير رضي الله عنهما وظهوره 11
9 حريق الكعبة - اختلاف أهل الشام على ابن الزبير 12
10 بيعة أهل الشام مروان بن الحكم - موت مروان بن الحكم 13
11 بيعة عبد الملك بن مروان وولايته 14
12 غلبة ابن الزبير على العراقيين وبيعتهم 15
13 بيعة أهل الكوفة لابن الزبير وخروج ابن زياد عنهما 16
14 قتال المختار عمرو بن سعد 19
15 قتل مصعب بن الزبير المختار بن أبي عبيد الله - خلع ابن الزبير 20
16 قتل عبد الملك عمرو بن سعيد 21
17 مسير عبد الملك إلى العراق 22
18 قتل مصعب بن الزبير - ذكر حرب ابن الزبير وقتله 23
19 ولاية الحجاج على العراقيين 25
20 خروج ابن الأشعث على الحجاج 26
21 حرب الحجاج مع ابن الأشعث وقتله 29
22 أسر عامر بن سعيد الشعبي 39
23 انهزام ابن الأشعث وقيام عبد الرحمن بن عياش 41
24 ذكر قتل سعيد بن جبير 42
25 ذكر بيعة الوليد وسليمان بن عبد الملك 44
26 موت عبد الملك وبيعة الوليد 46
27 تولية موسى بن نصير البصرة 48
28 دخول موسى بن نصير على عبد الملك بن مروان - تولية موسى بن نصير على إفريقية 49
29 خطبة موسى بن نصير رحمه الله - دخول موسى بن نصير إفريقية 50
30 خطبة موسى بإفريقية 51
31 فتح زعوان - قدوم كتاب الفتح على عبد العزيز بن مروان - إنكار عبد الملك تولية موسى بن نصير 52
32 جوابه - كتاب عبد العزيز بالفتح إلى عبد الملك - جوابه 53
33 فتح هوارة وزناته وكتامة - فتح صنهاجة 54
34 فتح سجوما 55
35 قدوم الفتح على عبد الملك بن مروان 56
36 غزوة موسى في البحر 57
37 غزوة السوس الأقصى 58
38 قدوم الفتوحات على الوليد بن عبد الملك - فتح قلعة أرساف 59
39 فتح الأندلس 60
40 اتهام الوليد موسى بالخلع - دخول وفد موسى على الوليد بن عبد الملك 62
41 ذكر ما وجد موسى في البيت الذي وجد فيه المائدة مع صور العرب - ذكر ما أفاء الله عليهم 63
42 غزوة موسى بن نصير البشكنس والإفرنج 64
43 خروج موسى بن نصير من الأندلس - قدوم موسى إفريقية 66
44 قدوم موسى إلى مصر - قدوم موسى على الوليد رحمهما الله 68
45 خلافة سليمان بن عبد الملك وما صنع بموسى بن نصير 69
46 عدة موالي موسى بن نصير 70
47 ذكر ما رآه موسى بالمغرب من العجائب 71
48 تولية سليمان بن عبد الملك أخاه مسلمة وما أشار به موسى عليه 72
49 سؤال سليمان موسى عن المغرب 73
50 ذكر قدوم موسى على الوليد 74
51 ذكر اختلاف الناقلين في صنع سليمان بموسى 77
52 نسخة القضية 77
53 ذكر يد موسى إلى المهلب 78
54 ذكر قتل عبد العزيز بن موسى بالأندلس 79
55 قدوم رأس عبد العزيز بن موسى عن أخباره وأفعاله 83
56 ذكر ولاة الأندلس بعد موسى بن نصير - ذكر حج سليمان مع عمر بن عبد العزيز 86
57 ما قال طاووس اليماني لسليمان بمكة 87
58 ذكر وفاة سليمان واستخلافه عمر بن عبد العزيز 92
59 أيام عمر بن عبد العزيز 96
60 ذكر قدوم جرير بن الخطفى على عمر بن عبد العزيز 97
61 وفاة الرشيد والمأمون خارج العراق - اتصال أشرار العراق بالأمين وإيغار صدره على أخيه الأمين 174
62 دخول المأمون قصر الخلافة وحبسه أخاه الأمين - هروب الأمين من السجن وقتله - تمام الكتاب 175