الناس بدعواهم، لادعى ناس دماء أقوام وأموالهم، ولكن البينة على من ادعى واليمين على من أنكر ". قال الرشيد: ويحكم، إن في كتاب الله ما يصدق ذلك، ولا إخال أبا عبد الله أخذه إلا من كتاب الله فاستثبتوه. فأرسل إليه فأقبل. فقال هارون: يا أبا عبد الله، إن أصحابنا هؤلاء لم يختلف منهم اثنان في الإنكار عليك فيما وضعت في موطئك من التدمية (1). وتصديق قول من ادعى، وأنت وهم تزعمون بطل دعوى من ادعى على رجل دانقا إلا ببينة تقوم له، فأخبر القوم، وأوضح لهم حجتك في ذلك وأنا معك عليهم، فإني لا أعلم بعد أمير المؤمنين أحدا أعلم منك، فقال مالك: يا أمير المؤمنين، إن مما يصدق القسامة ما في كتاب الله من القتل، والأخذ بالدم الذي كان في بني إسرائيل. قال الله عز وجل: " اضربوه ببعضها " فذبحت البقرة، ثم ضربوه بعضو من أعضائها، فحي القتيل، ثم تكلم. فقال: فلان قتلني، فقتله موسى ابن عمران عليه السلام بقوله ذلك، وهو حكم التوراة، فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا، فالذين أسلموا: محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وقد حكم بالتوراة رسول الله صلى الله عليه وسلم، في المرجوم اليهودي الذي زنى، فرجمه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر أنس بن مالك رضي الله عنه. أن يهوديا لقى جارية من جواري الأنصار في بعض أنقاب (2) المدينة، وعليها أوضاع (3) من ذهب وورق، فأخذ الأوضاح منها، وشدخ رأسها بين حجرين، فأدركت الجارية وبها رمق، فاتهم بها اليهود، فأنى بهم، فعرضوا عليها رجلا رجلا وهي لا تتكلم، حتى أتى بصاحبها الذي قتلها فعرفته. فقيل لها: هذا الذي قتلك؟ فأومأت برأسها أن نعم، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فشدخ رأسه بين حجرين، فهذا يا أمير المؤمنين حكم الدماء، والقسامة فيها سنة قائمة من رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء، فقعوا منه بذلك، وصاروا إلى الرضا بقوله، والتصديق لروايته، والتسليم لتأويل ما تأول من القرآن الكريم. ثم قال له مالك: إن أباك يا أمير المؤمنين بعث إلي في هذا المجلس كما بعثت إلي، وحدثنه بما حدثتك به في شأن أهل المدينة، وما يصبرون عليه من البلاء، وشدة الزمان، وغلاء الأسعار، صبرا على ذلك، واختيارا لجوار قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقال هارون: ذلك هو أبي وأنا ابنه، وسوف أفعل ما فعل، وأمر لأهل المدينة بعشرة أبيات مال، ضعف ما أمر به المهدي، وكان أبو يوسف
(١٥٤)