ثم وضع في ناحية، ثم قيل: إن عيسى بن موسى بالباب، فقال: أدخلوه. فلما دخل قال:
يا أمير المؤمنين، فأين أبو مسلم؟ قال: كان ها هنا آنفا فخرج. فقال عيسى: يا أمير المؤمنين قد عرفت طاعته ومناصحته، ورأى إبراهيم الإمام فيه. قال له أبو جعفر: يا أنوك (1) والله ما أعرف عدوا أعدى لك منه: ها هو ذا في البساط. فقال عيسى إنا لله وإنا إليه راجعون، فأقبل إسحاق صاحب شرطته قال: إنما كان أبو مسلم عبد أمير المؤمنين وأمير المؤمنين أعلم بما صنع.
فأمر أبو جعفر برأسه، فطرح إلى من بالباب من قواد أبي مسلم، فجالوا جولة، وهموا أن يبسطوا سيوفهم على الناس، ثم ردهم عن ذلك انقطاعهم من بلادهم وتغربهم وإحاطة العدو بهم، فبعضهم اتكأ على سيفه فمات، وبعضهم ناصب وأراد القتال. فلما نظر أبو جعفر إلى ذلك، أمر بالعطاء لأصحاب أبي مسلم، وأجزل الصلات للقواد والرؤساء منهم، ثم عهد إليهم أن من أحب منكم أن يكون معنا ها هنا، نأمر بإلحاقه في الديوان، في ألف من العطاء، ومن أحب أن يلحق بخراسان كتبناه في خمس مئة ترد عليه في كل عام وهو قاعد في بيته.
قال: فكأنها نار طفئت. فقالوا: رضينا يا أمير المؤمنين كل ما فعلت، فأنت الموفق. فمنهم من رضى بالمقام معه، ومنهم من لحق بخراسان.
ثورة عيسى بن زيد بن علي بن الحسين قال: وذكروا أن أبا جعفر لما قتل أبا مسلم، واستولى على ملك العراقين (2) والشام، والحجاز، وخراسان، ومصر، واليمن، ثار عليه عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب، فقاتله فيما بين الكوفة وبغداد، ولقيه في جموع كثيرة، نحوا من عشرين ومئة ألف، فأقام أياما يقاتله في كل يوم، حتى هم أبو جعفر بالهزيمة، وركب فرسه ليهرب، ثم جعل يشجع أصحابه، ويعدهم بالعطايا الواسعة، والصلات الجزيلة، فقاتلوا، ثم إن أبا جعفر غلبته عيناه وهو على فرسه، فرأى في نومه أنه يمد يديه ورجليه على الأرض. فاستيقظ ودعا عبارا كان معه، فأخبره بما رأى. فقال له: أبشر يا أمير المؤمنين فإن سلطانك ثابت، وسيليه بعدك جماعة من ولدك، وهذا الرجل منهزم، فما كان بأسرع من أن نظر إلى عيسى ابن زيد منهزما.